في العام 1997، عُرضت على مجموعة BMW فرصةٌ من العمر، ألا وهي الاستحواذ على رولز-رويس موتور كارز. ولم تكن هذه الفرصة مجرّد صفقة تجارية عادية. فعلامة رولز-رويس مؤسسة يذيع صيتها حول العالم ويعود تاريخها العريق إلى العام 1904. كما أنّها مرادف للتميّز والنجاح، إذ تسعى العلامات التجارية والمنتجات على اختلافها إلى التمثّل بمسيرتها المكلّلة بالإنجازات.
وقد واجهت مجموعة BMW بصفتها المالك الجديد للعلامة، تحدياً فورياً وصعباً يقوم على إنشاء دار جديدة لرولز-رويس تليق بمكانتها وإرثها العريق. فأعربت البلدات والمدن في جميع أنحاء بريطانيا عن اهتمامها باستضافة الموقع الجديد لرولز-رويس، رغبةً منها بالاستفادة من الاستثمار والوظائف المحلية عالية الجودة التي ستتبع افتتاح الدار. ولكن سرعان ما اتّضح المكان الوحيد المناسب للعلامة والعملاء الذين تستهدفهم.
روابط شخصية وثيقة
تتمتع رولز-رويس برابط شخصي قديم يجمعها بمدينة تشيشستر والمنطقة المحيطة بها. فقد عاش السير هنري رويس، الشريك المؤسِّس للعلامة، وعمل آخر 16 سنة من حياته الطويلة والناجحة في منزله المحبوب، إلمستيد في بلدة ويست ويترينغ. وهنا ابتكر بعضاً من أشهر أعماله، إذ يُقال أنّه رسم التصميم الأساسي لمحرّك الطائرات ميرلن الذي استُخدم لاحقاً في طائرة سبيتفاير الأسطورية، على رمال شاطئ ويست ويترينغ.
فلفَت هذا الرابط التاريخي الانتباه إلى مدينة جودوود الواقعة على بُعد ثمانية أميال فقط. وقد كانت هذه البلدة معروفة لدى عشاق سباق السيارات بصفتها مقرّ حلبة سباق جودوود ومهرجان السرعة. كما يشمل عقار جودوود الأوسع حلبة سباق وفندقاً يقع كلاهما في وسط المجتمع الدولي، وبالتالي فهو مألوف لدى عملاء رولز-رويس. فلا عجب في أن يُعتبر الخيار المثالي للعلامة.
وسرعان ما حازت رولز-رويس على داعم متحمّس ومؤثِّر لمشروعها، هو دوق ريتشموند الذي اختار قطعة الأرض المناسبة لتلبية احتياجات الشركة.
دار مثالية
أدرك جميع المعنيّين في المشروع أنّ هذا المصنع بعيد كل البعد عمّا هو مألوف. فلن تكتفي رولز-رويس بتصنيع السيارات فيه، بل ستُنتج سلعاً فارهة بأساليب يدوية تجعل منها الأكثر طلباً من قِبل العملاء المتميّزين والحصريين حول العالم.
كلّفت العلامة شركة نيكولاس غريمشو أند بارتنرز للهندسة المعمارية الحائزة على عدّة جوائز بتصميم دار رولز-رويس، وهي الشركة نفسها التي صمّمت محطة سكة حديد واترلو الدولية في لندن ومشروع إيدن في كورنوال. وعليه، ابتكرت الشركة بناءً عصرياً رائعاً ومستداماً يتماهى مع المنظر المحيط بطريقة انسيابية. كما أنّه جسّد المنتجات المبتكرة والمتقدمة من الناحية التكنولوجية والمصنوعة بطريقة دقيقة داخل البناء.
وبعد 20 سنة بالتمام والكمال، ما زالت دار رولز-رويس في جودوود المكان الوحيد في العالم حيث تُصمَّم سيارات رولز-رويس وتُبنى يدوياً. كما أنّها المقرّ العالمي لشركة باتت تعمل في أكثر من 50 بلداً حول العالم. وفي العام 2016، افتتحت الشركة مركز التكنولوجيا والشؤون اللوجستية الخاص بها في بوغنور ريجيس لدعم عمليات التصنيع المبسّطة والمتكاملة في جودوود.
بداية حقبة جديدة
بالإضافة إلى دارها الجديدة، أرادت رولز-رويس إطلاق منتج استثنائي جديد يُعيد ترسيخ مكانتها بصفتها مصنّع أفضل سيارة في العالم، فأتت النتيجة على شكل سيارة فانتوم. وفي الدقيقة الأولى بعد منتصف الليل يوم 1 يناير 2003، سلّمت رولز-رويس أول سيارة فانتوم على الإطلاق في حقبة جودوود لعميلها الجديد الذي ما زال يحتفظ بالسيارة حتى هذا اليوم.
وفي العام 2007، أطلقت الشركة سيارة فانتوم دروبهيد كوبيه، ومن ثم فانتوم كوبيه بعد سنة واحدة، حيث نالت إعجاب العملاء ووسائل الإعلام لدرجة أنّها أثّرت على فلسفة تصميم رولز-رويس للعقد التالي وما بعده.
الارتقاء إلى معايير جديدة
لاقى المفهوم الجديد لرولز-رويس استحساناً كبيراً لدى جيل جديد من الشباب العصامي الواثق بنفسه ممّن يدرك جيداً حاجاته ورغباته وتوقعاته. لذا، استجابت الشركة في العام 2010 لهذه الشريحة الجديدة من العملاء بابتكار طراز جديد بالكامل هو جوست. وسرعان ما حقق جوست نجاحاً كبيراً بفضل تركيزه على السائق وسهولة التعامل معه، حتى أصبح الطراز الأكثر مبيعاً من رولز-رويس في التاريخ.
وفي العام 2013، أطلقت رولز-رويس طرازها الأقوى على الإطلاق، وهو رايث، قبل أن تُطلق سيارة داون ذات السقف المكشوف بعد ثلاث سنوات. ومنذ العام 2018، طُرحت كالينان التي تُعدّ المركبة رباعية الدفع من رولز-رويس، لتتيح للعملاء الاستمتاع بتجربة البساط السحري الخاصة بالعلامة على الطرق المعبّدة والوعرة. وقد أمست كالينان الطراز الأكثر طلباً في مجموعة الشركة، وأصبحت، إلى جانب فانتوم، من السلع الفارهة الأكثر طلباً في العالم.
وفي الوقت عينه، أراد بعض العملاء تصميماً أكثر جرأةً وتمرّداً. فابتكرت رولز-رويس طراز بلاك بادج الذي يزيد سيارات جوست ورايث وداون وكالينان جرأةً وتميّزاً، ويشكّل اليوم أكثر من ثلث السيارات التي يتم تصنيعها في جودوود.
دار رائدة للمنتجات الفارهة
سطّرت هذه الفترة مرحلة مصيرية في تاريخ رولز-رويس ساهمت في نهضتها بصفتها شركة بارزة لتصنيع السيارات وداراً عالمية رائدة للمنتجات الفارهة. فقد استعادت رولز-رويس مكانتها المرموقة بصفتها العلامة المفضلة لدى رواد الأعمال والجيل الجديد من الشخصيات الثقافية البارزة والفنانين وخبراء التكنولوجيا. استقى هؤلاء الأشخاص الإلهام، بصفتهم مؤثّرين عالميين وسبّاقين في مجالاتهم، من علامة رفيعة المستوى وقادرة على تلبية متطلباتهم من خلال توفير منتجات مميزة تعكس شخصيتهم الفردية.
وخلال السنوات العشرين الأخيرة، دأبت دار رولز-رويس على تطوير فريق بيسبوك وصقل مهاراته، لتتيح لعملائها إضفاء لمستهم الخاصة على سياراتهم بطرقٍ لا تُعدّ ولا تُحصى. ويتجلّى ذلك في برنامج كوتشبيلد الذي يخوّل نخبة من الأفراد اختيار لون سياراتهم وهندستها الداخلية وهيكلها الخارجي.
استحوذت مجموعة BMW على علامة رولز-رويس وأنشأت داراً تليق بمكانتها المرموقة، حيث وُصفت بأنّها “آخر مغامرة شيّقة في تاريخ صناعة السيارات”، إلا أنّه في أكتوبر 2022، انطلقت رولز-رويس في مسعى جديد يلامس أقصى طموحاتها، مع إطلاق سيارة سبيكتر الكوبيه الكهربائية فائقة الفخامة التي أرسَت معياراً غير مسبوق وفتحت الباب على مصراعَيه أمام حقبة جديدة ستشهد على تحويل كل سيارات رولز-رويس إلى سيارات كهربائية بالكامل بحلول نهاية العام 2030.
عائلة رولز-رويس
لا تُشكّل جودوود مقراً للعلامة فحسب، بل داراً تجمع عائلة رولز-رويس التي ضمّت تحت جناحيها أعضاءً جدداً على مرّ السنين، ليرتفع عددهم من 350 شخصاً عام 2003 إلى 2500 شخص من أكثر من 50 جنسية اليوم، حيث استحدثت الشركة 150 وظيفة جديدة في العام 2022 وحده. وتشمل عائلة رولز-رويس مصمّمين ومهندسين وحِرفيين، فضلاً عن فِرق متمرّسة ومسؤولة عن التجميع والمبيعات والتسويق والتمويل وتكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية، إلى جانب مجموعة من الخبراء في مجالات أخرى. يتمتّع هؤلاء الأفراد بخبرات ومهارات واسعة، فقد حاز عددٌ غير مسبوق منهم في العام 2022 على جوائز تقديراً لخدمتهم المتميّزة واحتفاءً بمرور 20 عاماً على تعاونهم مع الشركة.
وقد شارك حوالي 200 شخص موهوب في برنامج التدريب عالمي المستوى الذي وضعته رولز-رويس عام 2006، واختار الكثير منهم تولي مناصب دائمة بين ربوع الشركة وترقّوا ليشغلوا مناصب إشرافية وإدارية. كما التحق مئات الطلاب الجامعيين بأقسام الشركة الصناعية ليكتسبوا خبرة لا تُضاهى ويبنوا مسيرة مهنية مكلّلة بالنجاح مع دار رولز-رويس ومجموعة BMW وغيرهما. وما زالت الشركة تدير برنامجاً ناجحاً بامتياز لخرّيجي الجامعات.
في تحسّن مستمر
لا شكّ في أنّ علامة رولز-رويس تمثّل اليوم قدوةً عالمية للتميّز في الصناعة الفارهة، بصفتها داراً رائدة للمنتجات الفارهة تصنّع بعضاً من أروع السيارات وأكثرها ندرةً وقيمةً في العالم. ولكنّ الكمال لا يعرف حدوداً، بل ثمة دائماً مجال للتحسين والارتقاء بالمفاهيم وإعادة ابتكارها بحلّة جديدة. من هنا، تسعى دار رولز-رويس في جودوود باستمرار إلى تحقيق مقولة السير هنري رويس “اعثروا على الأفضل في فئته وارتقوا به إلى مستوى جديد”، فرسخّت مكانتها بصفتها وجهة فريدة من نوعها تفيض جرأةً وابتكاراً.
“تُشكّل جودوود داراً مادية وروحانية لعلامة رولز-رويس، فهي المكان الوحيد في العالم الذي نصمّم فيه منتجاتنا الفاخرة ونصنّعها يدوياً، متسلّحين بإرثنا العريق والممتد على سنوات طويلة. فهذه الدار ليست مجرّد منشأة تصنيع متطوّرة ومقرٍّ للشركة، بل وجهة رائدة تعرّف الزوار إلى ركائز علامتنا المرموقة إذ تجسّد الجمال والأناقة والتميّز والإبداع والطابع النابض بالحياة والمتغيّر باستمرار. في الواقع، يعكس تصميم الدار وهندستها المعمارية قِيمنا الجوهرية القائمة على التنفيذ المتأنّي والاهتمام بأدقّ التفاصيل والاعتزاز بهذه المؤسسة البريطانية العظيمة. فهي كونٌ بحدّ ذاته ينفرد بطابعه المميز، إنما يبقى متّصلاً بسائر أنحاء العالم، ويضمّ عائلة رولز-رويس تحت جناحَيه.” تورستن مولر-أوتفوش، الرئيس التنفيذي لشركة رولز-رويس موتور كارز