تجربة بورشه 911 GT3 RS الجديدة: أداء مذهل من حلبات السباقات إلى الطرق العامة
تجربة بورشه 911 GT3 RS تأخذك في تفكيرك إلى المستقبل. بعد خمسين أو مئة عام من اليوم، سينتهي النفط من العالم كما يقال، أو سيتحول العالم فعلا إلى السيارات الكهربائية الصامتة. أحفادنا هؤلاء قد ينظرون إلى سياراتنا كما ننظر اليوم إلى العربة التي يجرها الحصان، على أنها وسيلة نقل بدائية، تلوث البيئة وتثير الضوضاء. سيتسائلون ربما عن السبب الذي دفع الناس للمخاطرة بحياتهم في ما كان يسمى “رياضة السيارات“. في ذلك الوقت، ستصبح السيارات كما نعرفها اليوم مجرد ذكرى، توضع في المتاحف. وإذا ما أراد القيمون على هذه المتاحف وضع محرك ما كعرض لأفضل تقنيات القرون الماضية، فأعتقد أن عليهم وضع محرك بورشه 911 GT3 RS كمثال حول التقدم الهندسي الخارق.
كلا، بل يجب عليهم أن يضعوا بورشه 911 GT3 RS نفسها في ذلك المتحف، لتظهر للأجيال القادمة أننا عشنا فترة ذهبية فعلا. فحين يقود أولادنا وأحفادنا سيارات كهربائية صامتة، سيتسنى لهم يوما ما فتح “كبسولة الزمن” التي قد يخبئها أحد لهم. فيها سيجدون أشياء مثل جهاز نوكيا 3310، كرة قدم فعلية، وربما مجلة سيارات طبعت على ورق حقيقي! ولكن إن أردنا لهم أن يعرفوا حقا مدى روعة العيش في هذا الزمن، فعلينا أن نخبئ لهم سيارة بورشه 911 GT3 RS مع خزان ممتلئ بالوقود.
كلا، أنا لست أبالغ. هذه السيارة ستعيش في الذاكرة كواحدة من أساطير عالم السيارات. إذا كنت تمتلك المال الكافي لشراء واحدة، فعليك بذلك. ليس لأن السيارة ستصبح استثمارا قيما في فترة لاحقة، ولكن لأنك ستجلس خلف مقود واحدة من أروع السيارات الرياضية على مدى التاريخ، ولست أبالغ في هذا الكلام.
في الحقيقة، كل سيارات بورشه التي حملت الأحرف RS مميزة. الجيل السابق من هذه السيارة كان واحدا منها، ولا أعرف كيف نجحت بورشه بتقديم سيارة أفضل منها. ولكن بمجرد تجربة بورشه 911 GT3 RS ستعرف فورا أنك تقود سيارة مذهلة.
ما هي بورشه 911 GT3 RS أصلا؟ هي باختصار، أكثر سيارات بورشه تركيزا على متعة القيادة. سيارة مستمدة من تاريخ بورشه العريق في سباقات السيارات. سيارة تنقل هذه التقنية فعليا، من الحلبات إلى الشوارع العامة، إن أردت ذلك. فالحلبة ربما هي موطنها الطبيعي، وليس من حلبة أفضل لزيارتها من أجل تجربة بورشه 911 GT3 RS من حلبة نوربورغرينغ الشهيرة.
للأسف، هي قسم من حلبة نوربورغرينغ المخصصة لسباقات الفورميولا واحد الحديثة، وليس حلبة نوردشلايفة الشهيرة باسم الجحيم الأخضر. ولكن مهما يكن، فلست في وارد التذمر من قيادة السيارة هنا. فأمامي يقبع هذا الوحش، وحلبة مفتوحة. والأمر الوحيد الذي يمكنني القيام به هو الانطلاق بأقصى سرعة.
وضعية الجلوس لا تختلف عن أي سيارة بورشه 911 أخرى. نعم، المقاعد رياضية وتحضنك كما لو كانت تشتاق إليك بعد غياب، وعند النظر في المرآة الخلفية، سترى مجموعة من الأنابيب المعدنية التي تشكل القفص المقاوم للانقلاب الذي يحتل مكان المقاعد الخلفية.
هذا الأمر يعني أن السيارة مزودة بحزمة “فايساخ” الاختيارية، والتي تستمد اسمها من حلبة التجارب التابعة لبورشه. وما تحصل عليه هنا هو مجموعة من الإضافات المثيرة. سقف من ألياف الكربون، أخف من سقف التيتانيوم في الطراز القياسي. عجلات مغنيزيوم من طراز بورشه 911 GT2 أخف وزنا بمقدار 11 كيلوغرام، القفص المقاوم للانقلاب، غطاء أمامي من ألياف الكربون أخف وزنا أيضا.
ولكن حتى بدون هذه الحزمة الاختيارية، فإن مواصفات بورشه 911 GT3 RS تسيل اللعاب. محرك من ست اسطوانات بشكل بوكسر، بسحب عادي، وبسعة تبلغ 4.0 ليتر. قوة المحرك تبلغ 520 حصانا، تتوفر عند مستوى 8250 دورة في الدقيقة، مع عزم دوران يبلغ 470 نيوتن متر عند 6000 دورة في الدقيقة. أما مستوى الدوران الأعلى، فيقف عند خط أحمر يشير إلى 9000 دورة على عداد دوران المحرك. وحين تسمع صوت محرك يدور إلى هذا المستوى من الدورات، تدرك كم هي مملة محركات التيربو التي بالكاد تتجاوز حاجز 6000 دورة في الدقيقة بالمقارنة مع هذه المحركات المميزة.
المحرك يتصل بعلبة تروس من فئة PDK الشهيرة لدى بورشه، من سبع نسب أمامية مع كلتشين. الدفع ينتقل إلى العجلات الخلفية، والتي تشارك هي الأخرى في عملية توجيه السيارة، ليس من خلال الانزلاق الاستعراضي (وإن كانت بورشه 911 GT3 RS أكثر من قادرة على الدخول في هذه اللعبة) ولكن من خلال التوجيه بالعجلات الخلفية والذي يعطي بورشه 911 GT3 RS قدرة مناورة عالية قل نظيرها في أي من السيارات الرياضية.
هذه القوة كافية لتوفير أداء مذهل للسيارة. التسارع من 0-100 كلم/س لا يتطلب سوى 3.2 ثانية، ومن ثم تظل السيارة تتسارع بشكل متوحش لتصل إلى سرعة 200 كلم/س في 10.6 ثانية، في طريقها إلى سرعة قصوى تبلغ 312 كلم/س. أداء يرفع بورشه 911 GT3 RS إلى مصاف السيارات السوبر رياضية.
ولكن هذه سيارة بورشه من فئة GT، وكل من قاد هذه السيارات يوما يعرف أن الأمر لا يتعلق هنا بالأرقام المطلقة للأداء والتسارع في الخط المستقيم، بل هي في الحقيقة تجربة بورشه 911 GT3 RS التي تميزها عن غيرها من حيث التواصل مع السائق، توفير أفضل أداء ممكن على الحلبة، وأعرض ابتسامة.
وهنا لن تخيب بورشه 911 GT3 RS الآمال. فبمجرد الانطلاق بالسيارة تعرف أنك على وشك تجربة شيء مميز. الصوت وحده كفيل بأن يضخ الأدرينالين في عروقك. ولكن بمجرد أن تضغط دواسة الوقود إلى الأرضية، وتشعر بتلك الدفعة المميزة في ظهرك، ستعرف أن لهذا الأدرينالين فوائده. فهذه سيارة تتطلب منك أن تظهر لها الاحترام المطلوب. كلا، هي ليست وحشا خارجا عن السيطرة كما كانت بورشه 911 GT2 التي اشتهرت باسم “صانعة الأرامل“، أو (Widowmaker)، ولكن بورشه 911 GT3 RS قادرة على أن تعاقبك إن استخففت بقدراتها، أو بالغت بتقدير قدراتك الشخصية. هناك نظام PASM الخاص من بورشه للتحكم بالتماسك، وقد تم إعادة تعيير وضعيته، خاصة في وضعية «سبورت». ولكن من الأفضل أن تبقيه قيد التشغيل، ما لم تكن تقود السيارة على الحلبة. إذ أن القوة أكثر من كافية لتتغلب على تماسك إطارات ميشلان الرياضية.
ولكن على الحلبة، يختلف الأمر تماما. أعظم السيارات الرياضية تشعر معها بعلاقة اتصال تتعدى مجرد الجلوس فيها، وسيارة بورشه 911 GT3 RS هي واحدة من هذه السيارات بلا أدنى شك. هناك تواصل فوري بين السائق والسيارة، من خلال المقود الدقيق جدا، والذي يشعرك تماما بما يجري تحت الإطارات الأمامية، فتعرف تماما مدى التماسك المتوفر، ومتى “تعض” تلك المقدمة الخفيفة على الإسفلت في المنعطفات، الإشارة التي تنتظرها لتضع قدمك اليمنى على دواسة الوقود وتطلق العنان لأحصنة المحرك. عندها ستشعر بالسيارة في مؤخرتك. أنا لا أمزح. فالتواصل هنا تشعر به عبر المقعد. فأنت في منتصف السيارة، وتشعر بما ستفعله المؤخرة (مؤخرة السيارة!) قبل أن يتحول ذلك إلى حركة جانبية فعلية. تماسك المؤخرة إذا ما استمعت إلى الإشارات الحسية تلك مذهل. ولكن إذا ما تجاوزت حدود السيارة القصوى، فستجد أن بورشه 911 GT3 RS سيارة طيعة في يد سائقها. حركة سريعة من المقود كفيلة بتصحيح أي انزلاق، أو زيادته إن كنت تمتلك مهارات والتر رول في القيادة.
وزن السيارة يلعب دورا هاما في هذه الرشاقة المذهلة. إذ يشير الميزان إلى 1430 كيلوغراما فقط، أي أن نسبة الوزن إلى القوة تبلغ 2.75 كيلوغرام لكل حصان، وهو أمر تشعر به ليس فقط عبر التسارع القوي للسيارة، ولكن الطريقة التي تلتف بها حول المنعطفات. إذ لا تشعر بأي وزن زائد في مقدمة السيارة أو مؤخرتها. فتجد السيارة تغير اتجاهها ككل بمجرد أن تحرك المقود قيد أنملة يمينا أو يسارا.
هذا الوزن الخفيف أيضا يتيح للسيارة أن توفر قوة كبح رهيبة. مكابح بورشه 911 GT3 RS عملاقة، بقياس 380 مليمترا في الأمام وفي الخلف، مع ست مكابس في الأمام وأربعة في الخلف، تقبع خلف عجلات عملاقة بقياس 20 إنشا في الأمام و21 إنشا في الخلف، يتم تثبيتها عبر «صامولة» واحدة في المحور، تقنية أخرى من سيارات السباقات تنقلها بورشه إلى سياراتها التجارية.
اضغط على المكابح من أي سرعة، والأمر يبدو كما لو أنك ارتطمت بحائط اسمنتي صلب. إذا أردت التدرب على استخدام القدم اليسرى للكبح، فهذه ليست السيارة المناسبة لذلك، إذ سريعا ما ستجد نفسك على وشك الخروج من الزجاج الأمامي.
البعض سيجرب ذلك، لا سيما وأن السيارة مزودة بعلبة تروس PDK أوتوماتيكية حصريا. في العادة، هذا هو الوقت الذي سأتحدث فيه عن افتقادي لعلبة التروس اليدوية، ومدى حزني على عدم توفرها في السيارة. ليس هذه المرة. تجربة بورشه 911 GT3 RS تتطلب تركيزا شديدا، إلى درجة أن عملية تغيير النسب يدويا لن تكون أبطأ فقط، بل ربما قد تسلبك القدرة على اكتشاف قدرات السيارة الفعلية. ولا ننسى هنا أن علبة PDK هذه أصلا هي واحدة من أفضل علب التروس الأوتوماتيكية، إن لم تكن أفضلها على الإطلاق. يمكنك تركها في الوضعية الأوتوماتيكية، وستقوم بمهمتها على أكمل وجه. ولكن للشعور بمتعة القيادة، عليك أن تنتظر المؤشر ليصل إلى 9000د/د، ومن ثم تجذب الذراع الأيمن، لتشعر بالقوة وهي تدفعك إلى الزمام. أو ربما تقوم بالكبح القوي، وتنزل ثلاث أو أربعة نسب إلى الأسفل بسرعة، وتسمع صوت المحرك وهو يرتفع مع كل غيار، بينما تخطط لمسارك القادم حول المنعطف، وتتحين الفرصة للضغط بكل قوة على دواسة الوقود. سريعا، يصبح الأمر أشبه بالإدمان، وتجد نفسك وقد أصبحت فجأة تنظر نظرة دونية إلى باقي السيارات الرياضية. نعم، هذا هو الأثر الذي تتركه تجربة بورشه 911 GT3 RS عليك.
خلال بضع سنوات، مثل هذه السيارات ستنقرض. سنقود قريبا سيارات كهربائية، ستوفر ربما تسارعا أفضل، وتماسكا أفضل. ربما قد تجعلها التكنولوجيا أسرع وأكثر كفاءة. ولكنني متأكد أنها لن تكون أكثر إثارة. في يوم من الأيام، سيسألني أحد أحفادي عن السبب الذي كنا من أجله نقود مثل هذه السيارات. سآخذه في جولة في بورشه 911 GT3 RS، ليعرف أنني قدت أروع السيارات الرياضية في العالم.