
في السنوات الأخيرة، أصبحت المقصورات الداخلية للسيارات ساحة سباق بين الشركات، حيث تسعى كل علامة لتقديم أكبر عدد ممكن من الشاشات وكأنها مقياس التطور. من السيارات الكهربائية الصغيرة إلى أفخم الهايبركار، أصبح من النادر أن تجد لوحة قيادة تخلو من شاشة ضخمة تمتد من الباب إلى الباب. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل هذا التطور يخدم السائق فعلاً أم أنه مجرد استعراض تقني؟

ثورة الشاشات داخل المقصورة
في أحدث طراز من بورشه كايين الكهربائي، يمكن القول إن التكنولوجيا بلغت ذروتها. شاشة عدادات رقمية منحنية بتقنية OLED، شاشة وسطية بقياس 14.25 بوصة، شاشة راكب جانبي لمشاهدة الفيديوهات، ونظام عرض رأسي بتقنية الواقع المعزز يمتد على الزجاج الأمامي بالكامل. بل وحتى الإضاءة والتكييف والمقاعد أصبحت متصلة بنظام “Mood Modes” الذي يضبط الأجواء حسب مزاج السائق.

لكن هذه الرفاهية المبالغ فيها تثير جدلاً واسعاً. فالنقاد يرون أن الإفراط في استخدام الشاشات جعل المقصورات الحديثة باردة ومتشابهة، تفتقد للأصالة والحرفية التي كانت تميز السيارات في الماضي.
بين الحرفة والبرمجة
بينما تتجه معظم الشركات نحو التصميم الرقمي الكامل، قررت علامات عريقة مثل بوجاتي ورولز رويس اتباع نهج مختلف يعيد التوازن بين التكنولوجيا والفن اليدوي. في طراز بوجاتي توربيّون، تم التخلي عن الشاشات لصالح عدادات ميكانيكية تعمل بتروس حقيقية تذكّر بعالم الساعات الفاخرة. أما رولز رويس سبيكتر، فتميّزت باستخدام مفاتيح معدنية وزخارف يدوية، لتؤكد أن اللمسة البشرية ما زالت جزءاً من تعريف الفخامة.

درس من الماضي: أزمة الكوارتز
ما يحدث اليوم في عالم السيارات يشبه ما حدث في السبعينيات مع الساعات الرقمية. آنذاك، اجتاحت الساعات الإلكترونية السوق باعتبارها رمز المستقبل، لكنها سرعان ما فقدت قيمتها أمام وفرة التقليد وانعدام الشخصية. بعدها، عاد الناس لتقدير الساعات الميكانيكية التي تجمع بين الجمال والدقة والحرفية — وهو ما قد يحدث الآن في عالم السيارات.

بين الحداثة والهوية
لا شك أن الشاشات توفر تجربة مريحة، مع أنظمة ملاحة متطورة وذكاء اصطناعي يفهم الأوامر الصوتية. لكنها أيضاً تجعل السيارات أكثر تشابهاً وأقل تميزاً، إذ يمكن لأي سيارة أن تبدو فاخرة طالما تملك شاشة ضخمة. والأسوأ من ذلك أن هذه التقنيات تتقادم بسرعة، فالشاشة التي تبهرنا اليوم قد تبدو قديمة بعد عامين فقط.

الخلاصة
العصر الرقمي منحنا سيارات أذكى وأكثر تفاعلاً، لكنه أيضاً أخذ شيئاً من روحها. التحدي اليوم أمام شركات السيارات هو إيجاد التوازن بين التكنولوجيا والحرفية، بين اللمسة الرقمية وسحر التفاصيل الكلاسيكية.