على مدار سنوات، ترقب مجال صناعة السيارات والمستهلكون إطلاق «جوجل» سيارتها ذاتية القيادة، وطغت أخبار تطوير الشركة سياراتها واختباراتها على مجهودات شركات عريقة في صناعة السيارات. لكن يبدو أن الشركات التقليدية على وشك استعادة زمام المبادرة، والتفوق في تطوير السيارات ذاتية التحكم.
واستفادت شركات السيارات من «معرض الإلكترونيات الاستهلاكية» الذي أقيم في مدينة لاس فيغاس الأميركية، مطلع يناير الماضي، للإعلان عن أحدث تقنياتها واستثماراتها في قطاع السيارات ذاتية القيادة. وخلال يناير أيضاً أعلنت «جنرال موتورز» عن استثمارها 500 مليون دولار بالتعاون مع خدمة «ليفت» لطلب السيارات عبر الهواتف الذكية، من أجل تأسيس «شبكة مُتكاملة من المركبات ذاتية القيادة بحسب الطلب في الولايات المتحدة».
وأسست شركة «تويوتا» اليابانية معهداً جديداً للأبحاث الخاصة بالسيارات ذاتية التحكم. وأعلنت شركات أخرى، منها «أودي» و«بي إم دبليو» و«فورد» عن تقدم جهودها الرامية لتطوير سيارات ذاتية القيادة. وسابقاً طورت «مرسيدس» سيارة ذاتية القيادة للأبحاث، كما أعلنت «أوبر» من قبل عزمها استثمار مليارات الدولارات في تطوير السيارات ذاتية القيادة.
ويتطلب أمان السيارات ذاتية القيادة توافر مجموعة من العتاد المتخصص وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتتوافر أغلب البرمجيات اللازمة لعمل السيارات ذاتية القيادة بشكل مفتوح المصدر، وتظل البيانات هي الجزء المفقود الأكثر قيمة، ويبدو أن «جوجل»، ربما للمرة الأولى، ليست الشركة الوحيدة التي يُمكنها الوصول إليها.
وتحتاج السيارات ذاتية القيادة إلى تمتّعها بالقدرة على استشعار العقبات والأخطار، مثل السيارات الأخرى والمشاة، وتعتمد في ذلك على توظيفها مجموعة من أجهزة الاستشعار، لكن في الواقع يحتاج التعرف الفعّال الى الأخطار إلى تمكن السيارة من فصل المخاطر وتمييزها عن البيئة المحيطة، ما يعني حاجة السيارة إلى صورة ثابتة ومُفصلة للعالم المحيط لمُقارنتها بما تراه أمامها أثناء السير، أي بكلمات أخرى تحتاج السيارات ذاتية القيادة إلى خرائط.
وللوهلة الأولى يبدو أن لدى «جوجل» ميزة حاسمة عن غيرها من الشركات المُنافسة، إذ تمتلك بالفعل مجموعة ضخمة من الخرائط والبنية التحتية اللازمة لتحديثها، كما أن نموذجها الأول للسيارات ذاتية القيادة قطع مسافات أطول من سيارات الشركات الأخرى على بعض الطرق العامة في ولايتي كاليفورنيا وتكساس الأميركيتين.
ومع ذلك تحتاج «جوجل» إلى تعزيز خرائطها الرقمية، التي تُجيد إنتاجها، بالمزيد من البيانات حال استخدامها لإرشاد السيارات المُستقلة. وفي الوقت الحاضر لا تمتلك «جوجل» الكثير من هذه البيانات الإضافية، وتتساوى في ذلك مع غيرها من الشركات.
وتتكاتف شركات السيارات معاً من أجل تطوير خرائطها الرقمية الخاصة، ويبدو أنهم يحظون بميزات تُؤهلهم لذلك أكثر من «جوجل». ويعتقد الأستاذ في قسم الهندسة الكهربائية والحاسوب في «جامعة كارنيجي ميلون» الأميركية، راج راكومار، أن أمام شركات السيارات سبلاً مختلفة لتطوير الخرائط اللازمة للسيارات ذاتية القيادة.
ومن بين هذه السبل اتباع طريقة «جوجل» نفسها بالقيام بكل شيء، فالشركة تتحكم في عمل سياراتها ذاتية القيادة، وتتولى جمع بيانات الخرائط ومعالجتها لتزويد البرمجيات المسؤولة عن قيادة السيارات ذاتية القيادة. وقد تستعين «جوجل» بخدمتها «ستريت فيو» وأسطولها الخاص من السيارات الذي يجمع بيانات الخرائط.
ويُشير الواقع إلى أن استخدام سيارات «ستريت فيو» لمسح الطرق والمحافظة على التحديث الدائم للخرائط يُمثل حلاً باهظ الكلفة وغير عملي. وتتباين المناطق والشوارع في درجة تحديث الخرائط، فيجري تصوير بعض الشوارع مرات عدة، بينما تظل بعض الشوارع بصورتها نفسها لسنوات.
ويُمثل الحل الآخر اعتماد شركات السيارات على خدمات بديلة، مثل خرائط «هير» Here التي باعتها «نوكيا» في أغسطس من العام الماضي إلى تحالف من شركات السيارات شمل «أودي» و«دايملر» و«بي إم دبليو». وتُسيّر «هير»، على غرار خرائط «جوجل»، سيارات لتصوير الطرق والمدن.
وتُخطط شركات السيارات للاستفادة من سياراتها المُباعة بالفعل وما تتوافر عليه من أجهزة استشعار للتعاون في جمع بيانات الخرائط، بدلاً من تشغيلها أسطولاً باهظ الكلفة من السيارات المُخصصة فقط للتصوير وجمع بيانات الخرائط.
وعند إعلان شركات السيارات استحواذها على خرائط «هير» أشارت إلى أن «الكاميرات عالية الدقة وأجهزة الاستشعار المتوافرة في السيارات الحديثة هي الأعين الرقمية لتحديث بيانات التنقل والخرائط». واعتبرت الشركات أنه في صناعة السيارات يُمثل ذلك أساساً لأنظمة المساعدة الجديدة، وفي نهاية المطاف أساساً للقيادة ذاتية التحكم تماماً.
ومن شأن هذه البيانات أن تُساعد في تعامل السيارات ذاتية القيادة مع الأمور غير المتوقعة، وبدلاً من مواجهة أشغال جديدة في الطرق على نحو مُفاجئ، ستتمتع السيارات التي تستخدم خرائط «هير» بخرائط مُحدثة في الوقت الحقيقي، وستعلم مسبقاً أن عليها استخدام طريق بديل.
ولا تُعد هذه الفكرة حكراً على شركات السيارات التي استحوذت على خرائط «هير»، إذ توفر «جنرال موتورز» أجهزة استشعار في سياراتها الجديدة من أجل جمع البيانات جماعياً، كما تتعاون مع شركة «موبيل آي» Mobileye الناشئة المتخصصة في تطوير برمجيات للسيارات ذاتية القيادة باستخدام الكاميرات وأنظمة معالجة الصور، في نهج يختلف عن طريقة «جوجل» المعتمدة على نظام «ليدار» Lidar الأغلى كلفة.
وتستخدم شركة «تسلا» أيضاً تكنولوجيا «موبيل آي» في برمجياتها للقيادة ذاتية التحكم التي وفرتها، أخيراً، في تحديث برمجي لسيارات من طراز «موديل إس». ويعتمد نظام «ليدار» للاستشعار عن بعد على تسليط أشعة الليزر على هدف ما وتحليل الضوء المُنعكس.
وفي ما يتعلق بجمع بيانات الخرائط، ربما تتمتع شركة «جنرال موتورز» بوضعٍ أفضل عن غيرها، نظراً لامتلاكها الحجم والقدرة اللازمين لجمع قدر هائل من البيانات سريعاً. وفي كل عام تبيع الشركة ملايين من السيارات، وزُود الكثير منها بكاميرات ومعدات للشبكات تسمح لها بالإسهام في الخرائط. ويعني ذلك أن طموحات الشركة في مجال السيارات ذاتية القيادة تتقدم في كل مرة يقود فيها المستهلكون سياراتهم.
واعتبر راج كومار أن الاعتماد على المصادر الجماعية أو حشد المصادر هو الميزة الكبيرة جداً للشركات التقليدية المُنتجة للسيارات، وقال: «هناك منافسة مُثيرة للاهتمام في المستقبل».
وبطبيعة الحال يُشكل هذا وضعاً جديداً لشركة «جوجل» التي طالما استمدت قوتها من امتلاكها أكبر قدر من البيانات وبما يفوق منافسيها.
وتمتلك «تويوتا» وليس «جوجل» أكبر عدد من براءات الاختراع حول السيارات ذاتية القيادة وفقاً لمؤسسة «طومسون رويترز».
المصدر: صحيفة الامارات اليوم.
يذكر انه بامكانكم متابعتنا على تويتر @Alamalsayarat.
تابعوا المزيد من الأخبار:
إبتعدوا عن ملء خزان وقود السيارة بأكمله.. والسبب ؟