يعرف القاصي والداني أن مجموعة فولكسفاغن كانت تستعد قريبًا، ربما بنهاية عام 2015 الجاري، للتتويج بلقب أكبر صانع للسيارات في العالم؛ حيث تمكنت من بيع 5.04 مليون وحدة بكافة الأسواق العالمية في الأشهر الستة الأولى من عام 2015 الحالي، مقارنة بتويوتا التي تمكّنت فقط من بيع 5.02 مليون وحدة عالميًا، بينما حلّت مجموعة جنرال موتورز في المركز الثالث من خلال بيع 4.86 مليون وحدة عن الفترة نفسها.
ولكن، طموحات فولكسفاغن اصطدمت هذه المرة بفضيحة كبيرة من شأنها أن تؤثر ليس فقط على مبيعات ماركة شتوتغارت في جميع أنحاء العالم، إنما أيضًا على سمعتها ووضعها المالي، على أقل تقدير في عامنا الجاري، بل وقد تمتد آثار هذه الفضيحة إلى عام 2016 المقبل، مع ترجيح تغيير مجلس إدارة المجموعة، على حد قول العديد من المحللين، في أعقاب تقديم الرئيس التنفيذي للمجموعة “مارتن وينتركورن” لاستقالته مؤخرًا.
بدأت سلسلة الأحداث الدرامية في منتصف شهر أيلول (سبتمبر) تقريبًا، وتزامنًا مع افتتاح الدورة الأحدث من معرض فرانكفورت الدولي للسيارات؛ حيث اكتشف المراقبون وبعض المنظمات في الولايات المتحدة الأميركية تلاعب فولكسفاغن بمعايير الانبعاثات الكربونية في عروضها المدعمة بمحركات ديزل، ما ينذر بكارثة وأزمة كبيرة للصانع الألماني هي الأكبر منذ عام 2005، وهو العام الذي اكتشف فيه أن أموال الشركة كانت تُصرف على العطلات باهظة الكلفة لممثلي العمال.
وبمجرد انتشار “فضيحة الانبعاثات”، هبطت أسهم مجموعة فولكسفاغن بنسبة 20 بالمئة تقريبًا، تزامنًا مع اعتراف الرئيس التنفيذي “مارتن وينتركورن” بوجود هذا التلاعب. ولم تؤثر تلك الأزمة على ثاني أكبر صانع للسيارات في العالم، والصانع الأكبر في أوروبا فحسب، وإنما طالت مختلف الصانعين الألمان بصفة خاصة؛ حيث هبطت أسهم بي إم في ودايملر-بنز بنسبة 6 بالمئة، بينما هبطت أسهم بورشه وحدها بنسبة 16 بالمئة.
1- بداية الأزمة
بدأ الأمر أثناء اختبار سيارات الديزل بمجموعة فولكسفاغن في الولايات المتحدة، حيث اكتشفت الوكالة الأميركية لحماية البيئة EPA جنبًا إلى جنب مع المجلس المختص بالموارد الهوائية بولاية كاليفورنيا CARB وجود تلاعب ينتهك ويخترق المعايير البيئية التي تفرضها السلطات الأميركية على السيارات المباعة هناك.
وتحتوي السيارات المعنية على برنامج حاسوبي معقّد يساعد تلك المركبات على خداع سلطات البيئة الأميركية فيما يتعلق بالمعايير الخاصة بالانبعاثات؛ حيث يوقف هذا البرنامج أنظمة التحكم في الانبعاثات الملوثة أثناء القيادة العادية التقليدية، بينما تعمل هذه الأنظمة فقط أثناء الخضوع لاختبارات تتعلق بالانبعاثات الكربونية على يد السلطات المعنية.
ووفقًا للوكالة الأميركية لحماية البيئة EPA فإن ذلك الجهاز الذي يُسمى بـ “جهاز الإخفاق” Defeat Device، يجعل السيارات يسفر عنها انبعاثات كربونية ضارة منها ثاني أكسيد النيتروجين بنسب تفوق من 10 إلى 40 ضعف معدل الملوثات المسموح بها تحت قوانين الهواء النظيفة، وذلك أثناء توقف أنظمة التحكم في الانبعاثات.
2- هبوط أسهم فولكسفاغن واستقالة وينتركورن
هبطت أسهم مجموعة فولكسفاغن بشكل كبير إثر الكشف عن ذلك التلاعب الخطير في انبعاثات مركبات الديزل الممهورة بتوقيع المجموعة في الولايات المتحدة بنسبة 20 بالمئة تقريبًا.
ونتيجة لذلك، خَسرت المجموعة الألمانية نحو 13 مليار يورو من رأس مالها السوقي، لاسيما بعد اعتراف الرئيس التنفيذي لفولكسفاغن “مارتن وينتركورن” بوقوع هذا التلاعب واعتذاره علنًا، كما أمر بإجراء تحقيق خارجي في هذا الأمر قبيل تقديمه استقالته مؤكدًا في بيان أنه يتحمل مسؤولية تلاعب اختبارات الانبعاثات في الولايات المتحدة، “حتى وإنني لم أكن على علم بأي شيء خاطئ من جانبي.”
وبدورها، أمرت الحكومة الألمانية بإجراء تحقيق عاجل عما إذا كانت فولكسفاغن وصانعين آخرين قد تلاعبوا أيضًا في اختبارات الانبعاثات في ألمانيا، كما صرّح وزير الاقتصاد الألماني “سيغمار غابرييل” حيث أن هذا الأمر يمثل “واقعة مؤسفة” لصناعة السيارات.
ومن جانبه، اعتذر رئيس شركة فولكسفاغن أميركا “مايكل هورن” عن تلاعب الشركة الألمانية العملاقة باختبارات انبعاثات عروضها، معترفًا أثناء حضوره حفل إطلاق الطراز الجديد من باسات في مدينة نيويورك الأميركية بأن فولكسفاغن كانت “غير أمينة” مع السلطات الأميركية المعنية بالبيئة، متعهدًا بإصلاح السيارات المعيبة والتأكد من عدم تكرار الأمر.
3- غرامة مالية محتملة: 18 مليار دولار
وقالت الوكالة الأميركية لحماية البيئة EPA إن فولكسفاغن قد تواجه عقوبات مالية تصل إلى 18 مليار دولار بسبب فضيحة تلاعبها بنتائج اختبارات انبعاثات عروضها الديزل. وتأتي تلك الأموال الضخمة من جراء إمكانية فرض عقوبة مدنية تصل إلى 37.500 دولار أميركي على كل سيارة لا تتفق مع القوانين الفيدرالية للهواء النظيف. وانطلاقًا من أن هناك نحو 482.000 سيارة فولكسفاغن وآودي مدعّمة بمحركات ديزل رباعية الأسطوانات مباعة منذ عام 2008، فإن هذا المبلغ قد يكون ما يتوجب على فولكسفاغن دفعه.
كذلك أمرت حكومة سيول الكورية الجنوبية اجراء اختبارات على الانبعاثات الملوّثة من عروض فولكسفاغن وآودي الديزل، وفي حال تم رصد انتهاك لمعايير تلوّث الهواء، فإن وزير البيئة قد يأمر باستدعاء السيارات المباعة فعليًا بالبلاد، أو يأمر الصانع الألماني بإيقاف المبيعات المحلية للسيارات المعيبة، مع إمكانية فرض غرامات مالية عالية.
وكانت فولكسفاغن قد وجّهت وكالات بيعها في الولايات المتحدة الأميركية بعدم بيع أية عروض متبقية من موديلات 2015 المدعمة بمحركات ديزل سعة ليترين. كما منعت الحكومة الأميركية المجموعة من بيع عروض عام 2016 الديزل ذات المحرك سعة ليترين حتى يتم غلق هذا الموضوع.
ومن المتوقع أن يؤثر هذا الحظر سلبيًا على مبيعات فولكسفاغن في الولايات المتحدة؛ حيث إن موديلات الديزل تشكّل من 20 إلى 25 بالمئة من مبيعات الماركة الألمانية في أميركا كل شهر.
وبوجه عام، ربما تكون أكثر الأضرار الواقعة على مجموعة فولكسفاغن تتمثل في تضرر سمعتها بوصفها تقدم عروضًا تتسم بالدقة الهندسية العالية ومعدلات استهلاكها المنخفضة من الوقود، ولكن كل هذا ذهب أدراج الرياح، لاسيما مع مطالبة وكالة البيئة الأميركية لفولكسفاغن استدعاء كل عروض فولكسفاغن جيتا وباسات وجيتا سبورت واغن وبيتل وآودي A3 المزودة بمحركات ديزل سعة ليترين والمباعة في الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2009 وحتى 2015.
ومن دون شك، فإن تلك الأزمة لن تمر مرور الكرام، وسيكون لها تبعاتها وآثارها السلبية على مبيعات مجموعة فولكسفاغن في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا بل وأيضًا آسيا، وأيضًا وضعها المالي بعد دفع غرامات مالية تقدّر بمليارات الدولارات، ما يعني أن طموحات فولكسفاغن المشروعة في احتلال المركز الأول في قائمة أكبر صانع للسيارات في العالم، قد تتوقف لبرهة من الوقت.
يذكر انه بامكانكم متابعتنا على تويتر @Alamalsayarat.
تابعوا المزيد من الاخبار:
إحترس لدى تنظيف السيارة.. واتبع هذه التعليمات
تعرفوا الى فائدة شراء سيارة مستعملة (صور)