قدنا ألف كيلومتر في تجربة لاند روفر ديفندر ٢٠٢٠ للإجابة على السؤال: هل لا تزال ديفندر أفضل سيارة دفع رباعي في العالم؟
من أجل تجربة لاند روفر ديفندر ٢٠٢٠ الجديد طرت إلى أقدم صحراء في العالم، صحراء ناميبيا. خيار قد يبدو غريبا للبعض، لكنه في الحقيقة مثالي. فناميبيا، بالإضافة إلى كونها بقعة فريدة في العالم من حيث تضاريسها – إذ تضم صحراء ناميب، التي أعطت اسمها للدولة الحديثة التي استقلت عن جنوب إفريقيا عام 1990 – فهي أيضا واحدة من المناطق القليلة في العالم التي لا تزال مناطق ”عذراء“، قلما وطئتها قدم الإنسان.
لا عجب فب ذلك، إذ أن مساحة ناميبيا تناهز 850 ألف كيلومتر مربع، أي ضعف مساحة ألمانيا. ولكن عدد سكانها لا يتجاوز 2.7 مليون نسمة، وهي ثاني أقل دولة من حيث الكثافة السكانية في العالم. الفريد في سكان ناميبيا هو أن الكثير منهم لا يزالون من سكان القبائل الأصلية. وحين أقول سكان القبائل، فأنا أتحدث عن هؤلاء الذين لا يزالون يعيشون بعيدا عن الحضارة.
قبائل ”الهيمبا“ تحديدا لا يزالون يعيشون حياة القبائل الأصلية بكل تفاصيلها. نعم، النساء عاريات الصدور ويغطين شعرهن بنوع خاص من الطين، وللرجل حق الزواج من 12 امرأة، ويسيرون حفاة على رمال حارقة.
هذه القبائل لم تر لفترات طويلة سوى سيارات لاند روفر ديفندر. ولكنها في الحقيقة ليست السيارة الأولى التي رأوها. إذ كانت تلك فورد موديل T. كيف ذلك؟ لأن مستكشفا هولنديا يدعى ”فان زيل“ جاء إلى هنا في عشرينيات القرن الماضي على متن فورد موديل T، واستكشف طريقا يمتد من وسط ناميبيا إلى الغرب. هذا الممر يسمى اليوم باسمه، ممر فان زيل، وليس لدي أي فكرة كيف نجح بقطعه على متن الفورد القديمة. أفضل جواب لدي هو أنه العشرين رجلا من رجال القبائل الذين صاحبوه ربما قاموا بحمل السيارة!
إلى هذه الدرجة الممر صعب. ليس هناك من طريق فعليا، بل هو مسار شديد الوعورة لا يرقى لأن يسمى طريقا. ولكنه موجود، بل هو موجود على الخارطة وعلى أنظمة الملاحة، وهو يمثل التحدي الأول في تجربة لاند روفر ديفندر الجديد.
المقطع الأول فيه يتجه نزولا، وهنا فورا تظهر قدرات ديفندر الجديد. إذا ما كانت الطرق خلال تجربة لاند روفر ديفندر ٢٠٢٠ ستبدأ هكذا، فمن الأفضل للسيارة أن تكون جاهزة. صخور كبيرة، خنادق عميقة، ومنحدرات على الجوانب مليئة ببقايا السيارات التي اعتقد سائقوها أن بإمكانهم القيادة هنا في أي سيارة.
لكن ديفندر الجديد ليس أي سيارة. منذ اللحظات الأولى تظهر السيارة معدنها الحقيقي. نظام التعليق لبجديد في السيارة هو الذي يلفت الانتباه. فالنظام المستقل للعجلاتالأربعة ربما تخلى عن المحور الثابت، ولكن لا تدعوا ذلك يخدعكم بأن حركة التعليق أقل. فالفارق بين وضعية الدخول، حيث السيارة في أقل ارتفاع لها، ووضعية ”Off-Road“، تبلغ 29 سنتيمترا، مما يعطي السيارة ارتفاعا هائلا عن الأرض.
طبعا ديفندر الجديد مزود بنظام الاستجابة للتضاريس الشهير عند لاند روفر، وفي ممر فان زيل، تظهر قدرات هذا النظام، سواء نزولا أو صعودا على المنحدرات. كثيرا ما تجد نفسك على ثلاث عجلات فقط، أو على قسم مغطى بالحصى الناعم الزلق. ليس هناك من أدنى مشكلة. كل ما عليك فعله هو ترك السيارة تقوم بما عليها، وتقوم أنت فقط بتوجيه المقود.
نهاية ممر فان زيل أشبه ما يكون بالتخرج من المدرسة، وإنهاء امتحانات الثانوية العامة. بعد ذلك يصبح كل شيء أسهل. أو بالأصح، لا تعود قلقا مما سيحدث. إذ لا شيء الآن بإمكانه أن يشعرك بالقلق خلال تجربة لاند روفر ديفندر الجديد. فالآن، الطبيعة باتت باتت منبسطة أكثر، والطريق أقل وعورة، مما يعطيني الفرصة للاستمتاع بعض الشيء بالسيارة وقدراتها.
محرك السيارة الجديد فريد، وتجربة لاند روفر ديفندر ٢٠٢٠ هي فرصتي الأولى لتجربته على أرض الواقع. المحرك الجديد لدى لاند روفر هو من ست اسطوانات متتالية بسعة 3.0 ليتر، مع سوبر تشارجر كهربائي وشاحن تيربو. المحرك يتوفر بنظام هايبرد بسيط “Mild hybrid“ مع بطارية بقوة 48 فولت، تعمل على تشغيل السوبر تشارجر، والذي يرفع من عزم الدوران على دورات المحرك المنخفضة، بينما يتولى التيربو المهمة على مستويات الدوران الأعلى. النتيجة 400 حصان و550 نيوتن متر من عزم الدوران.
المحرك في العادة هو النجم في أداء السيارات، ولكن ليس في لاند روفر ديفندر. هنا النجم الحقيقي هو نظام الدفع الرباعي، ونظام التحكم بالتضاريس. الطريقة التي يتعامل بها النظام مع التضاريس المختلفة والكيفية التي تتغير فيها طريقة تفاعل الدواسة وعلبة التروس والمكابح مع الوضعية المختارة تحدد كيفية تصرف السيارة، وتزيد من قدراتها وكيفية تعاملها مع الأسطح المختلفة.
الطريق إلى المخيم، حيث ينتهي يومنا الأول ليس طريقا، بل هو أشبه ما يكون باختبار للأعصاب. إنه أشبه بمطب واحد طويل لا ينتهي. السيارة تهتز بشكل كبير، وحقيقة وجود إطار احتياطي على سقف السيارة، مع جهاز رفع السيارة لتبديل الإطارات والسكك الخاصة بمساعدة السيارة إذا ما عرزت في الرمال، والنتيجة أصوات رهيبة داخل السيارة التي ترتج كما لو كانت في زلزال. لكن الحقيقة هي أنها مريحة، بل مريحة جدا. بعد 11 ساعة من القيادة وصلنا إلى المخيم، ولا يمكنني إلا القول بأن مقاعد السيارة أكثر من مريحة.
في الحقيقة نظرتك إلى مقصورة ديفندر الجديد تعتمد على تصورك عن السيارة. إن كنت تعتقد بأن التصميم الجديد يعني مقصورة ”ناعمة“، فستغير رأيك بمجرد الدخول إلى السيارة. ليس هناك من لوحة قيادة بالمعنى التقليدي هنا، بل أشبه ”برف“ أمام الراكب الأمامي، ووحدة تحكم إن جاز التعبير، تضم مقبض تغيير التروس وكافة الأزرار، وفوقها الشاشة الرئيسية التي عبرها يمكنك الاطلاع ليس فقط على تجهيزات السيارة المختلفة، وطبعا وصل الهاتف الخلوي والموسيقى ونظام الملاحة، بل وأيضا التحكم بالكاميرات الفريدة اتي تظهر ليس فقط ما يدور حول السيارة، وما ستسير عليه بفضل الكاميرا المثبتة في الأمام، بل وحتى رؤية السيارة بتقنية 3D فريدة، تعطيك رؤية كاملة لما حول السيارة.
المقصورة مصممة بطريقة فريدة وعملية إلى أقصى الحدود. كل ما في الداخل تقريبا يمكن غسله بالماء. أرضيات السيارة البلاستيكية تقيها تماما من الأوساخ، كما هو الحال بالنسبة للباب الذي يمتد حتى أسفل جسم السيارة، والذي يقيك من الاتساخ كلما صعدت أو نزلت إليها. وفي اليوم الثاني من تجربة لاند روفر ديفندر كان هذا الأمر جيدا.
ناميبيا شهدت أربعة أعوام من الجفاف. ولكن يبدو أن وجهنا كان خيرا عليهم كما يقولون. إذ انهمرت الأمطار وتحولت الوديان الجافة إلى أنهار وسيول. الطريق أمامنا صعب، ولكننا قررنا الانطلاق، ففي النهاية نحن نقود ديفندر. في الوحول العميقة والمياه الراكدة، تجربة لاند روفر ديفندر تختلف تماما. الوحول تتطاير، والإطارات تتشبث بالأرض وهي تبحث عن التماسك. من الخارج، تبدو الطريق صعبة، ولكن من داخل السيارة، كل ما عليك فعله هو أن تتذكر أن تشغل المساحات – الممتازة!- قبل أن تصل إلى برك الماء الراكدة، لترى أمامك مرة أخرى.
اليوم الثالث من تجربة لاند روفر ديفندر ٢٠٢٠ أخذنا باتجاه ”ساحل الهياكل العظمية“. لو كنت مؤلفا في فيلم لم أكن لأبتكر اسما أفضل لهذه المحمية العملاقة. هنا، كثبان الرمال العملاقة تجعلها أقرب ما يكون إلى تضاريس منطقتنا العربية. وهنا تظهر قوة ديفندر بكل وضوح. الأمر لا يتعدى اختيار نمط القيادة على الرمال، وأحيانا، ربما تضطر لاختيار النسبة المنخفضة (Low gear) لدفع أقوى. وما عدى ذلك، ستجد أن تجربة لاند روفر ديفندر الجديد تجعل فعلا من القيادة على الرمال أمرا ممتعا.
حتى عند القيادة بسرعات عالية، لا يشكل ذلك أي صعوبة على ديفندر الجديد. هناك أماكن شاسعة تبدو وكأنها طرق سريعة في وسط الصحراء. مسارات أشبه ما تكون بتلك التي تراها في رالي داكار. سرعات تصل إلى 160 كلم/س لا تشكل أي مشكلة. وإذا ما صادفك مطب ما، فلا داعي للقلق. السيارة يتقفز بكل سهولة، وتحط بكل سلاسة. أمر اختبرته على أرض الواقع.
طريق العودة أخذتنا إلى نهر آخر، وهذه المرة مع الأفيال والزرافات. إنه مشهد سريالي يبدو كما لو كان من أحد أفلام ”ناشونال جيوغرافيك“. النهر الذي بدأ يجف، أرضيته عبارة عن مستنقع طيني عملاق، تقطعه بقع من الرمال الناعمة الجافة التي تثير الغبار، وهنا وهناك مقاطع من الصخور الكبيرة التي جرفتها المياه. ديفندر الجديد يسير فيها كما لو كان على شارع معبد. لن أبالغ حين أقول بأن قدرات السيارة مذهلة.
ثلاثة أيام إذا، قطعنا خلالها حوالي ألف كيلومتر على الطرق الوعرة، لم نتعرض خلالها، ونحن في قافلة من ثماني سيارات، إلى أي عطل. هذا أكبر دليل على الاعتمادية العالية التي حققتها لاند روفر مع ديفندر الجديد. وأكبر دليل على اهتمام لاند روفر بهذا الأمر، أخذته من أحد مدراء الشركة الذي رافقني في السيارة خلال تجربة لاند روفر ديفندر الجديد، وهو أن أنظمة السيارة الإلكترونية المختلفة، والتي يتخوف الكثيرون منها، مفصولة عن نظام الدفع. بمعنى أن أي عطل يصيب أيا من هذه الأنظمة لن يتسبب بأي توقف لنظام الدفع. فالمحرك وعلبة التروس منفصلة، وحتى لو توقف نظام الاستجابة للتضاريس، أو نظام التعليق، أو حتى نظام ABS وغيره من الأنظمة الأخرى، فلن تتوقف السيارة.
الأمر الثاني الذي يميز لاند روفر ديفندر الجديد بكل صراحة، هو أنها سيارة مميزة. هذه الأيام، كل السيارات تكاد تشبه بعضها البعض. لاند روفر ديفندر مختلف، بتصميمه الفريد وشخصيته المميزة، التي تظهره فعلا كفرد جديد من أفراد عائلة لاند روفر، وبشكل مستمد من تصميم لاند روفر ديفندر المعروف.
لكن الأهم من ذلك، هو أن التغيير في التصميم، والإضافات التقنية المختلفغة، لم تؤثر على جوهر السيارة، والتي لا تزال تضع قدرات القيادة على أي نوع من الطرق في مقدمة أولوياتها. على مدى سنوات، شعار لاند روفر ديفندر كان ”أفضل سيارة دفع رباعي بلا منازع، أو ”The best 4X4Xfar“. اليوم، الجيل الجديد من ديفندر يثبت أنه يرتقي إلى هذا الشعار، بل ويرتقي به، ليصبح ديفندر الجديد أفضل سيارة دفع رباعي على الإطلاق.