تجربة لامبورجيني هوراكان إيفو الجديدة تؤكد أن التطور الطبيعي لا يقتصر على الكائنات الحية، بل يمكن للسيارات أن تتطور أيضا. والنتيجة، في حالة هوراكان إيفو سيارة رائعة بكافة المقاييس.
تجربة لامبورجيني هوراكان إيفو كانت مختلفة. لقد قمت بالعديد من التجارب على حلبات السباقات، ولكن هذه المرة الأمر مختلف. هذه المرة تجاوزت حدود قيادتي القصوى. هذه المرة، لم يكن بإمكاني أن أسرع أكثر من ذلك. هذه المرة، شعرت بالخوف. السرعة تناهز 270 كلم/س على الخط المستقيم الطويل لحلبة البحرين الدولية. هناك لوحات مع سهم يتجه إلى اليمين، تشير إلى اتجاه المسار، ولوحة تحمل كلمة BRAKE، لتحديد منطقة الكبح، بشكل كبير وواضح. المشكلة أنني قررت أن لامبورجيني هوراكان إيفو الجديدة قادرة على الكبح من مثل هذه السرعة بمسافة أقل، وقررت تجاوزها ببضعة أمتار إضافية.
فجأة، اللوحات البيضاء تلك تملأ الزجاج الأمامي، وتتجه نحوي بسرعة. بالقدم اليسرى، أضغط بكل ما أوتيت من قوة على دواسة المكابح، وبأطراف أصابعي اليسرى أجذب العتلة المثبتة على عمود المقود مرة واثنتين وثلاثا، ولكن الوقت لا يسعفني. دورات المحرك بالكاد تكفي للنزول من النسبة السادسة إلى النسبة الرابعة بدلا من الثالثة التي من المفترض أن أستخدمها. السرعة لا تزال تتجاوز 120 كلم/س، وهي أعلى بكثير مما يجب.
أمامي الآن خياران: إما أن أتشبث بالمقود وارتطم باللوحات، أو أغامر وأدير المقود يمينا وأضع ثقتي في نظام الدفع الرباعي وتماسك السيارة. الحل الأول هو الأسهل، فاللوحات مصنوعة من مادة طرية لن تسبب ضررا للسيارة، ولكن علي عندها أن أعود مطأطأ الرأس وأشرح لمسؤولي لامبورجيني لماذا عليهم أن يقوموا بإعادة طلاء سيارتهم الجديدة. لذلك قررت أن الحل الثاني هو الأنسب. ما جرى بعد ذلك يلخص تماما تجربة لامبورجيني هوراكان إيفو الجديدة. لوهلة، مقدمة السيارة تندفع إلى الخارج كما لو أن السيارة على وشك أن تفقد تماسكها. ولكن فجأة، تستعيد المقدمة تماسكها، أشعر بالمؤخرة كما لو أنها تدور حول محور خفي في وسط السيارة، وعلى الرغم من سرعة السيارة العالية إلا أنها تدور حول المنعطف، وفي لمح البصر بإمكاني أن أستعيد الثقة، وأضغط مرة أخرى على دواسة الوقود بقوة. هذا، سيداتي سادتي، هو التطور بعينه.
حين وضع تشارلز داروين نظريته المثيرة للجدل حول تطور الأنواع المختلفة من الكائنات الحية، ربما لم يدر بخلده أبدا أن هذه النظرية سيكون لها مكان يوما في عالم السيارات. ولكن هذا تماما ما حصل. وإن كنتم لا تصدقون ذلك، فلامبورجيني هوراكان إيفو الجديدة، وهي اختصار لكلمة إيفوليوشن أو التطور، هي المثال الحقيقي على ذلك.
فعلى مدى السنوات، اعتادت شركات السيارات أن تقوم بتقديم فئات معدلة في منتصف عمر الطراز الافتراضي، أو ما يطلق عليه تسمية الـ Facelift، أو عملية شد الوجه. ولكن يبدو أن لامبورجيني قد قررت هذه المرة أن طراز هوراكان لن يكتفي بذلك، بل سيشكل فعلا نقلة نوعية، وتطورا ملحوظا مقارنة بالطراز السابق.
التطور لا يعني التغيير الكامل. بل تطور الأجزاء التي تتناسب مع هذه البيئة لتستخدمها بشكل أفضل، بينما الأجزاء الأخرى غير الضرورية تضمحل وتختفي. وهذا تماما ما يظهر خلال تجربة لامبورجيني هوراكان إيفو الجديدة. فالشكل الخارجي قد لا يبدو مختلف كثيرا عن الطراز السابق، ولكن في الحقيقة التطوير الذي خضعت له السيارة جذري جدا، سواء في شكلها الخارجي ووظائفه، أو في تجهيزات السيارة الميكانيكية. فالشكل الخارجي خضع لتطوير استهدف تعزيز الفعالية الآيروديناميكية للسيارة. والقصد هو أن السيارة باتت أفضل من حيث النسبة بين نسبة مقاومة الهواء للسيارة، أو عامل السحب (Drag) وبين قوة الهواء الضاغطة إلى الأسفل (Downforce) والتي تضاعفت… ست مرات!
تجربة لامبورجيني هوراكان إيفو كانت على حلبة البحرين الدولية، وربما كان هذا الأمر خيارا ممتازا من لامبورجيني. فلكي تقدر التغييرات التي أدخلتها على السيارة، لا بد من مكان يسمح لك باختبارها إلى حدودها القصوى. وهذا تماما ما توفره حلبة البحرين بمزيجها الرائع من الخطوط المستقيمة الطويلة، المنعطفات المخادعة الطويلة، اختلاف الارتفاع فيها، ومناطق الكبح التي تتطلب ثباتا عاليا، لا سيما وأنها في عدة أماكن تقع في مناطق تتجه نزولا أو صعودا، وخلال انعطاف السيارة.
المنعطف العاشر في الحلبة مثال حقيقي على ذلك. فهو يتجه يسارا بزاوية ضيقة، ولكن الوصول إليه يكون عبر منحدر يتجه نزولا مع انعطاف إلى اليسار. الكثير من السيارات، حتى سيارات الفورميولا واحد، تعاني هنا. إذ أن الكبح نزولا مع الانعطاف كثيرا ما يتسبب بانزلاق المقدمة (Understeer) وغلق للمكابح. لكن خلال تجربة لامبورجيني هوراكان إيفو، ظهر جليا أن التطوير الذي أدخلته لامبورجيني على السيارة قد جعل من هذا الأمر شيئا من الماضي. فثبات السيارة تحت الكبح القوي وتغيير الاتجاه مذهل ولا تشوبه شائبة.
هذا الثبات يتم بفضل تعديلات على مقدمة السيارة، والتي باتت تحتوي أنفاق هواء تتحكم بشكل أفضل بسير الهواء تحت السيارة، وخروجه من فتحات العجلات إلى الجانب ومن أسفل السيارة عبر موزع الهواء الخلفي (Diffuser) في أسفل مؤخرة السيارة. هذا الموزع يعمل بالتناغم مع الجناح الخلفي، والذي تم فصله إلى قسمين، بحيث عمل القسم العلوي على زيادة ضغط الهواء إلى أسفل، فيما يقوم القسم السفلي بتسريع الهواء، وبالتالي ”سحب“ الغازات الحارة من العادم، والذي تم رفعه إلى الأعلى بشكل مشابه لطراز ”بيرفورمانته“ والهواء سريع الحركة من موزع الهواء السفلي، لزيادة الضغط على مؤخرة السيارة.
الأمر الثاني الذي عرف تطويرا بارزا في السيارة كان المحرك، والذي يحصل على نظام عادم جديد وصمامات سحب مصنوعة من التيتانيوم، ليولد قوة تبلغ 640 حصانا عند 8000 د/د و600 نيوتن متر عند 6500 د/د. هذه القوة تترجم أداء مذهلا للسيارة، مع تسارع إلى 100 كلم/س في 2.9 ثانية، وإلى 200 كلم/س في 9.0 ثانية فقط. أما السرعة القصوى فتبلغ 325 كلم/س.
إلا أن الهدف من قوة المحرك الإضافية لم يكن فقط اكتساب أداء إضافي، ولكن رفع متعة القيادة. وهذا هو الأمر الذي يظهر في المنعطفات السريعة، وعند الخروج من المنعطفات الضيقة. قبل بضع سنوات، الدوس بقوة على الدواسة اليمنى في سيارة لامبورجيني عند الخروج من منعطف ضيق، كان أشبه بلعبة روليت روسية، إذ تعرف بأنها عاجلا أم آجلا ستقضي عليك. في تجربة لامبورجيني هوراكان إيفو الأمر مختلف. فبإمكانك الضغط بقوة على دواسة الوقود دون أي مشاكل بمجرد أن تجتاز قمة المنعطف. أما في المنعطفات السريعة، فيظهر تماما مدى التطوير الذي أدخلته لامبورجيني على طراز هوراكان إيفو. فثبات السيارة مذهل، وفي تلك اللحظة التي تشعر فيها بأن السيارة على وشك فقدان التماسك، إطارات بيريللي بي-زيرو المصممة خصيصا لها تجد مقدارا إضافيا من التماسك وتتشبث بالطريق كما لو أن هوراكان إيفو قد أخرجت مخالبها وتمسكت بالإسفلت أكثر.
أما المكابح، فحدث ولا حرج. فهي مصنوعة من خليط الكربون والسيراميك. والضغط عليها بقوة ينتج قوة كبح هائلة. ولكنها في نفس الوقت تعطيك الإحساس بالثقة. قلة من السيارات بإمكانك أن تقوم بالكبح فيها باستخدام قدمك اليسرى من أول مرة تقودها. خلال تجربة لامبورجيني هوراكان إيفو لم أقم بذلك فقط في مناطق الكبح، بل أحيانا في المنعطفات لتخفيف السرعة بشكل طفيف، وتعديل خط سير السيارة. في العديد من السيارات الأخرى هذه وصفة كارثية لانزلاق ذي نتائج مكلفة للغاية. في هوراكان إيفو يبدو الأمر طبيعيا جدا كما لو أن السيارة صممت لذلك. نعم، بعد عدة لفات سريعة هناك بعض الليونة في الدواسة، ولكن لا أعتقد صراحة أن أيا كان سيقود السيارة لعشرات اللفات بسرعة على حلبة فورميولا واحد دون أن يأخذ ذلك في عين الاعتبار.
ثم هناك الصوت. قل ما تريد عن سيارات لامبورجيني، ولكن أمر واحد لن أسمح لأحد بأن يناقشني فيه، ألا وهو صوت المحرك. محرك الـ V10 مذهل بأدائه، رائع بصوته الذي يتغلغل في مسامات جسمك، ويطرب الآذان بصوته وهو يصرخ بينما يتجه مؤشر دوران المحرك إلى علامة 8000 د/د. محركات التيربو أكثر فعالية؟ نعم. أعلى عزما؟ بكل تأكيد. ولكن لا يمكنها بأي شكل أن تنافس ذلك الشعور المتأتي من دوران المحرك العالي والصوت الذي يصاحبه. وعلى الخطوط المستقيمة، تشعر بالمحرك كما لو كان كائنا حيا يزأر خلفك. يهجم بضراوة، ومع كل تغيير للنسب يضربك في ظهرك كما لو كان يحثك على الإسراع أكثر. تجربة التسارع من الغيار الثاني إلى السادس، من سرعة تقارب 60 كلم/س إلى 280 كلم/س لا يمكن وصفها بالكلمات.
تماسك السيارة عند التسارع رائع، بدون أي أثر لانزلاق الإطارات ودورانها حول نفسها. فكباقي سيارات لامبورجيني، تندفع هوراكان إيفو بعجلاتها الأربعة. ولكنها الآن تنعطف بهذه العجلات أيضا، وبات توزيع العزم بينها يتم بصورة شبه فورية، بحيث تحصل العجلات الأكثر تماسكا على مقدار أكبر من القوة، مع توفير نظام ”توزيع العزم“ بين جهتي السيارة في المنعطف بحيث تحصل الإطارات الخارجية على نسبة أكبر من القوة. لكن ربما نظام التوجيه بالعجلات الخلفية هو الأكثر تأثيرا. إذ أن النظام يحاكي وجود قاعدة عجلات قصيرة لرشاقة أكثر في المنعطفات الضيقة وعلى سرعات منخفضة، وقاعدة عجلات أطول في المنعطفات السريعة لثبات أكبر.
هنا تظهر باقي نواحي التطوير في السيارة، وتحديدا نظام ”ديناميكية السيارة المدمجة“ من لامبورجيني، والذي يعرف اختصارا باسم LDVI. النظام معقد، ويعمل على عدة نواح من السيارة، والتي تم تطويرها جميعا. إذ يقوم النظام، معتمدا على مجموعة من أجهزة الاستشعار التي تقوم بقياس قوى تسارع السيارة إلى الأمام والخلف وتمايلها وقوى الطرد المركزي، لتوجه قوة السيارة إلى العجلات الأكثر تماسكا. كما تم تزويد السيارة بنظام توجيه متفاعل جديد، تتحكم به وحدة النظام أيضا، بالإضافة إلى نظام التعليق المتغير والمتفاعل. النتيجة ثبات مذهل وأداء يمكنك خلال تجربة لامبورجيني هوراكان إيفو استكشافه والاستمتاع به فعلا. ذلك أن هذا النظام لا يعتمد على فكرة التجاوب مع المعطيات هذه فقط، ولكن أيضا قراءتها وتحليلها، وتوقع الخطوة التالية للسائق والسيارة، وتحضير كل هذه الأنظمة مسبقا.
لهذا، تشعر فعلا بالفارق بين وضعيات القيادة المختلفة. وضعية ”Strada“ أو الشارع مناسبة فعلا للقيادة اليومية. أما وضعية ”Corsa“ للحلبات، فهي توفر التماسك الأفضل والأداء الأعلى للسيارة. وبينهما وضعية ”Sport“ الرياضية تبدو الأكثر متعة وقابلية ”للهو“، مع سماحها لمؤخرة السيارة بالانزلاق تحت تأثير القوة، دون فقدان شبكة الأمان التي توفرها أنظمة التحكم بالتماسك.
وتلك القابلية للتجاوب مع رغبات السائق، وكون السيارة ”متسامحة“ مع هفوات السائق هي ما يجعل من تجربة لامبورجيني هوراكان إيفو تجربة فريدة ورائعة. قبل فترة وجيزة، قمت بتجربة طراز لامبورجيني أفنتادور SVJ المرعب. تلك السيارة تغمرك بالكامل، وتحتاج لتركيز شديد معها. فهناك طريقة واحدة لقيادتها لتستخرج أفضل أداء منها، وكل ما فيها متطرف، من الصوت إلى التماسك إلى التعليق القاسي.
تجربة لامبورجيني هوراكان إيفو تختلف. فهي أكثر تسامحا، وأكثر طواعية في يديك. ليس من الضروري معها أن تلتزم بخط التسابق لتستمتع بها، بل بإمكانك أن تأخذ حريتك في الدفع بها إلى ما فوق حدودك القصوى، وحدودها القصوى، وإن كانت قدرات السيارة على الأغلب ستتغلب على قدراتك الشخصية.
وهنا ربما جانب التطور الأكثر إثارة للإعجاب في تجربة لامبورجيني هوراكان إيفو. العديد من السيارات، حين يتم تطويرها وتعديلها، تصبح أعلى أداء، وأكثر سهولة للقيادة بسرعة. ولكنها أيضا تفقد بعضا من ”هيبتها“، وتصبح مصطنعة أكثر من اللازم. أو ترتفع قدراتها إلى الحد الذي تحتاج معه فعلا للوصول إلى تلك العشرة في المئة الأخيرة لتقدر مدى التطوير الذي حصلت عليه. مع لامبورزجيني هوراكان إيفو، الأمر يختلف. فبإمكانك أن تستمتع بها على الطريق الاعتيادي، أو على الحلبة، أو ربما على طريق خال من السيارات. بإمكانك أن تستمتع بها بمجرد النظر إلى تصميمها، أو تستمتع بصوت محركها الرائع الذي آمل أن يستمر في الإنتاج لبضع سنوات أخرى.
لكن العامل الأهم هو أنك ستشعر معها بالمتعة والثقة، إلى درجة أنك قد تتجاوز حدود قيادتك القصوى. وحينها لن تتركك وحيدا. بل ستسامحك، تغطي على خطئك، وتعيد الأمور إلى نصابها بكل هدوء، دون أن تشعر بأن هذا الأمر يسلبك السيطرة أو يجعل من القيادة أمرا مصطنعا. بل ستستعيد السيطرة وتعيدها إليك، لتشعر وكأنك بطل حقيقي، وهنا ربما المثال الأكبر على التطور كما تفهمه لامبورجيني… وكما أعشقه.