لمدى تناهز ربع قرن، ظلت سيارات فيراري الأقوى مزودة بمحركات وسطية، فلماذا لم نعد نرى سيارات فيراري بهذه الوضعية من المحركات؟
حين قدمت لامبورجيني طراز ميورا سبب هذا الأمر صدمة في عالم السيارات الرياضية. محرك V12 وسطي، وتصميم مشابه لسيارات السباقات، ولكن في قالب رائع مخصص للشوارع العامة. كانت ميورا قفزة عملاقة، وكان لا بد لفيراري من أن تستجيب لهذا التحدي الجديد، ورد فيراري تمثل بإطلاق جيل جديد من سيارات فيراري بمحركات وسطية.
الرد الأول من فيراري كان طراز 250LM الشهير، مع محرك V12 في المنتصف، لتكون ربما أول سيارات فيراري “السوبر رياضية” كما نعرفها اليوم. السيارة كان من المفترض أن تصمم للمشاركة في سباقات السيارات، وتحديدا سباق 24 ساعة في لومان (من هنا جاءت تسمية LM)، ولكن في النهاية لم ينتج منها العدد الكافي لتشارك في فئة الجي تي، إذ أنتج منها 32 سيارة فقط، ومن ثم تم تطوير السيارة لتتحول إلى طراز 275LM، بمحرك 3.3 ليتر، والتي حققت الفوز في سباق لومان عام 1965.
إلا أن أول سيارات فيراري الرياضية المخصصة للشوارع العامة فعلا، والمزودة بمحرك وسطي، كانتفيراري 356 GT4 BB، أو برلينيتا بوكسر، وبوكسر هنا تشير إلى وضعية محرك السيارة المكون من 12 اسطوانة في وسط السيارة، خلف مقصورة القيادة، وبشكل بوكسر، أي مع اسطوانات منبطحة. فكر بمحرك بورشه 911، ثم اضرب الناتج في اثنين، ولديك محرك فيراري!
السيارة تطورت إلى طراز 512 BB، قبل أن تستبدل لاحقا بطراز تستاروسا الرائع. هذه السيارة جسدت روعة الثمانينيات بتصميمها الفريد الذي خطه بيننفارينا، وتميزت بمؤخرتها العريضة جدا، مع فتحات الهواء الجانبية الشهيرة لتبريد المحرك. هذا المحرك كان مرة أخرى من فئة بوكسر من 12 اسطوانة، بسعة 4.9 ليتر وبقوة 390 حصان . في ذلك الوقت كانت لامبورجيني قد تحولت إلى طراز كونتاش، وهاتان السياراتان هما المثال الصارخ على تلك الحقبة من الزمن. فيراري تستاروسا عرفت هي الأخرى تعديلات على مدى الزمن، فتحولت أولا إلى طراز 512 TR، ومن ثم إلى طراز F512M، والذي فقد للأسف الأضواء “المنقلبة” الشهيرة.
بديلة تستاروسا كانت فيراري 550 مارانيللو. ومعها توقف نهائيا إنتاج سيارات فيراري بمحركات وسطية من 12 اسطوانة. إذ أن 550 مارانيللو تحولت لاحقا إلى طراز 575، ومن ثم خلفتها فيراري 599 فيورانو، ولاحقا جاءت فيراري F12 التي تحولت أخيرا إلى طراز فيراري 812 سوبرفاست. فلماذا توقفت فيراري عن إنتاج سيارات بمحركات وسطية كبيرة؟
أولا، علينا هنا أن نوضح أن فيراري لم تتوقف “نهائيا” عن إنتاج هذه الفئة من السيارات. إذ أن سيارات فيراري F50، إنزو و”لافيراري” كلها مزودة بمحركات V12 في الوسط. لكن هذه السيارات جميعا هي سيارات خارقة، محدودة الإنتاج، على عكس سيارات فيراري برلينيتا بوكسر وتستاروسا. الأمر الآخر هو أن فيراري استمرت مع المحركات الوسطية، ولكن في الطرازات الأصغر، والتي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا مع فيراري 488 GTB. إلا أن هذه السيارات مزودة بمحركات V8 وليس بمحركات من 12 اسطوانة.
حتى نفهم السبب، علينا أن نعود قليلا بالزمن إلى الوراء، وننظر إلى تشكيلة سيارات فيراري في الثمانينات. ضمت هذه المجموعة أربعة سيارات فيراري مختلفة: فيراري مونديال، 348، فيراري 412 وتستاروسا. لكل من هذه السيارات محرك مختلف. فطرازا 348 ومونديال مزودان بمحرك V8، ولكن بفئة مختلفة. فيراري 412 كانت مزودة بمحرك V12، بينما تستاروسا مزودة بمحرك بوكسر. أضف إليها محرك V8 الذي كان ينتج لطراز F40 الأسطوري (محرك مختلف أيضا مع شاحني تيربو) ومحرك V12 لسباقات الفورميولا واحد (والذي سيجد مكانا له لاحقا في قلب فيراري F50) وستجد بأن هناك تنوعا كبيرا في عدد المحركات بالنسبة لصانع صغير مثل فيراري.
لذلك اتخذت فيراري قرارا حاسما في تلك الفترة، ألا وهو التخلي عن المحركات الوسطية في سيارات فيراري الأكبر، والتحول من فئة السيارات “السوبر رياضية” التقليدية، إلى سيارات من فئة الجي تي، مع محركات في المقدمة، وتركيز أكبر على الفخامة والقدرة على استخدام السيارة بشكل يومي.
هذا التحول أصاب الكثيرين بخيبة الأمل، ولكن كما يبدو، كان القرار سليما. أولا، سيارات فيراري الجديدة هذه، بدءا من طراز 599 فيورانو وحتى 812 سوبرفاست، أثبتت بأن التقنيات الحديثة والتطور التقني باتت كفيلة بالتعويض عن أي نقص ديناميكي يسببه وجود المحرك في الأمام. ثانيا، هذه السيارات “فعليا”، هي سيارات بمحرك وسطي. إذ أن المحركات تقبع وسط السيارة، بين محوري العجلات الأمامية والخلفية ولكن أمام المقصورة بدلا من أن تكون خلفها، وبالتالي فالتوابع الديناميكية لهذا القرار ليست بالضرورة سلبية. بل على العكس، هذه السيارات أسهل للقيادة، ويمكن للسائقين غير المتمرسين أن يقودوها ويستمتعوا بأدائها، وهذه نقطة كانت دوما تعمل ضد السيارات ذات المحركات الوسطية الخلفية، والتي وإن كانت أعلى ثباتا وأكثر رشاقة، تصبح أكثر صعوبة للقيادة والسيطرة عليها حين تتجاوز حدودها القصوى، حين يدخل وزن المحرك كعامل أساسي في مسألة السيطرة على الانزلاق الخلفي للسيارة.
الأمر الثالث والأهم، هو أن هذا التركيز على سهولة القيادة ونواحي الفخامة انعكس فورا على مبيعات السيارات. طرازات فيراري 599 ومن بعدها F12 فاقت مبيعاتها طرازات تستاروسا بأضعاف. إذ بات بإمكان أي كان قيادتها بشكل يومي. وليس هناك ربما من إعلان أفضل لسيارات فيراري من رؤيتها تسير على الشوارع العامة. كما أن وجود هذه المحركات من فئة V12، سمح لفيراري بتطوير سيارات أخرى من فئة 2+2، بدءا من فيراري 456 الرائعة، مرورا بطراز 612 سكاغليتي، فيراري FF وأخيرا مع فيراري GTC4 لوسو.
الكثيرون رأوا قرار فيراري بالتخلي عن محركات الـ 12 اسطوانة الوسطية، قرارا مؤلما. ولكنه في الحقيقة أشبه ما يكون بعودة إلى الجذور بالنسبة إلى فيراري التي لطالما تميزت سياراتها بهذه الوضعية، مع محركات V12 في مقدمتها. فالأمر ربما كان يعود إلى العوامل الاقتصادية، ومصاريف التطوير والبحوث التي يتطلبها صنع سيارات كهذه، أو أن الأمر يتعلق فقط بإطلاق الفئات الأكثر شعبية في الأسواق. مهما يكن الأمر، ففيراري عادت إلى جذورها، ولا يمكن لأي كان أن ينكر أن مجموعة سيارات فيراري اليوم هي ربما الأفضل في تاريخها.