يوليو 03, 2019

تجاوز فيرشتابن للوكلير في النمسا: قرار خاطئ، للأسباب الصحيحة

تجاوز فيرشتابن لشارل لوكلير في جائزة النمسا الكبرى كان النقطة الفاصلة في أكثر السباقات إثارة هذا الموسم، ولكن قرار الحكام كان خاطئا بعدم احتساب عقوبة على فيرشتابن، وإن كان هذا القرار جاء للأسباب الصحيحة في النهاية، وكان النتيجة المنطقية للسباق.

وأخيرا حصلنا على سباق ممتع وفوز أول لماكس فيرشتابن هذا الموسم في سباق لم تكن سيارات المرسيدس تمتلك اليد العليا فيه. فبعد ثمانية سباقات حسمها فريق مرسيدس لصالحه (وغالبا حسم البطولة أيضا)، جاء السباق النمساوي كنسمة صيف عليلة تعيد الروح إلى البطولة. فالسهام الفضية ظهرت بمظهر الفريق الذي لا يقهر منذ بداية البطولة. وحتى السباق الذي بدت فيه سيارات الفيراري الحمراء أسرع، أي سباق البحرين، انتهى في النهاية لصالح مرسيدس بفضل سوء الطالع الذي ضرب شارل لوكلير، مع عطل ميكانيكي حرمه من تحقيق فوزه الأول.

في النمسا اختلفت الأمور تماما. انطلاقة السباق لم توح أبدا بأن فيرشتابن سيكون ضمن كوكبة المنافسين. فقد تلكأ في انطلاقته وتجاوزته السيارات الأخرى خلفه وتراجع إلى المركز السابع. وبدا بعد بضعة لفات أن السباق يسير في اتجاه تحقيق لوكلير الفوز الأول في مسيرته، والأول لفيراري هذا العام.

لكن الأمور تغيرت بعد توقف السيارات لتغيير الإطارات. ماكس أخر توقفه حتى اللفة 32 وعاد في المركز الرابع بينما كان لوكلير قد توقف في اللفة 23 وعاد لاستلام الصدارة، وكلاهما كان على الإطارات القاسية (Hard Compound). فارق اللفات التسعة في عمر الإطارات ظهر في لفات السباق الأخيرة، حيث بدت فجأة الريد بل-هوندا في عالم آخر، وسريعا نجح فيرشتابن بتجاوز السيارات أمامه، متخطيا فيتيل وبوتاس ولينطلق في أعقاب لوكلير.

ما جرى بعد ذلك كان قيادة مذهلة من فيرشتابن، الذي سريعا ما بات في أعقاب الفيراري. ومع بقاء بضعة لفات فقط على نهاية السباق، بدا واضحا أن الفوز سيكون نتيجة معركة مباشرة بين السائقين اليافعين.

فيرشتابن

فيرشتابن، حاول عدة مرات. لكن خطوط لوكلير الدفاعية، بالإضافة إلى سرعة الفيراري في المقاطع المستقيمة، سمحت له بالحفاظ على الصدارة. كاد فيرشتابن ينجح أخيرا في التجاوز في اللفة 68 من أصل 71 لفة هي مسافة السباق. لكن سرعة الفيراري في المقطع المستقيم الذي يقع بعد المنعطف الثالث، سمحت له بالحفاظ على الصدارة مرة أخرى.

المنعطف الثالث في النمسا منعطف ضيق جدا، يتجه يمينا، وصعودا على منحدر خفيف. مدخل المنعطف واسع بما يكفي لسيارتين للمرور فيه جنبا إلى جنب، وهذه النقطة التي استغلها لوكلير. إذ على الرغم من اتخاذ فيرشتابن للمسار الداخلي، إلا أن وجود الفيراري إلى جانبه على المسار الخارجي عند الخروج من المنعطف سمح للوكلير بالحفاظ على صدارته.

في اللفة التالية، اللفة 69، قرر فيرشتابن أن لا يسمح للوكلير باستغلال قوة الفيراري بهذا الشكل. مرة أخرى، اتخذ المسار الداخلي، ومستغلا إطاراته الأفضل، أخر الكبح كثيرا ودخل المنعطف من المسار الداخلي. الفيراري كانت إلى جانبه تماما في المسار على الجهة الخارجية. ولكن وبينما ترك فيرشتابن مساحة كافية للفيراري في اللفة السابقة، هذه المرة اتخذ مسارا “أعرض”، وترك سيارته تنساب إلى الخط الخارجي للمسار.

فيرشتابن

هذا الأمر لم يتترك مجالا للوكلير الذي وجد نفسه محشورا بين الريد بل وحافة المسار. وهكذا ارتطمت السيارتان ببعضهما البعض، وتحديدا ارتطمت الإطارات ببعضها البعض، في دليل على سيرهما بنفس المسار دون تفوق أحدهما على الآخر في تلك النقطة. لكن ومع الخط الداخلي، كانت النتيجة خروج سيارة لوكلير عن المسار، وخسارته لأي فرصة للحاق بفيرشتابن، والذي احتفل بفوزه الأول هذا العام، وفوز هوندا الأول منذ عام 2006، والأول منذ عودتها إلى ساحة الفورميولا واحد.

تلى ذلك تحقيق أجراه مراقبو السباق، لتحديد إذا ما كانت مناورة فيرشتابن للتجاوز صحيحة أم لا، وإن كان يستحق عقوبة عليها من شأنها حرمانه وفريقه من تحقيق الفوز. وبعد بضعة ساعات، جاءت النتيجة بتثبيت فوز فيرشتابن، وحلول لوكلير ثانيا. قرار أثار الكثير من النقاش بين متابعي البطولة بين موافق ومعارض، خاصة بعد الضجة التي أثارها قرار تغريم فيتيل بخمس ثوان في جولة كندا، مما حرم فيراري من تحقيق الفوز الأول هذا الموسم.

شخصيا أعتقد أن القرار خاطئ تقنيا. ولكنني أعتقد أيضا أنه القرار الصحيح في هذا الوقت من عمر البطولة. هناك تناقض في ذلك، ولكن دعوني أشرح لكم لماذا القرار صحيح وخاطئ في نفس الوقت. وبإمكانكم الحكم بأنفسكم مع مشاهدة الفيديو.

القرار خاطئ:

1- فيرشتابن قام بدفع منافسه خارج المسار

فيرشتابن

ليس هناك شك في هذه النقطة. بإمكان عشاق ماكس الكثر أن يجادلوا للأبد حول ذلك، ولكن ما جرى هو أن ماكس ببساطة لم يترك مساحة للسيارة التي تسير بجانبه، مدركا أنها هناك، وعارفا حدود الحلبة. الدليل على ذلك أن الارتطام كان بين الإطارات، مما يعني أن السياراتين كانتا تسيران إلى جانب بعضهما البعض. فرشتابن كان قد ترك مجالا للوكلير في اللفة السابقة، ونجح الأخير بالعودة وانتزاع الصدارة. هذه المرة كان مصرا على عدم تكرار ذلك، وبالتالي ضيق المسار أمام الفيراري إلى الحد الذي أدى بالسيارتين للارتطام. السؤال هو، هل يشكل هذا خرقا للقوانين أم لا؟

2- للمرة الثانية هذا الموسم يتم حرمان فيراري من فوز مستحق

شارل لوكلير

مرة أخرى، تحرم سيارات فيراري من فوز (أو احتمالية الفوز) بسبب قرارات تحكيمية من مراقبي السباق. في كندا، كان الجدال بأن نص القانون الحرفي يجرم عودة فيتيل إلى المضمار بهذا الشكل، وبالتالي كان لا بد من فرض عقوبة عليه.

في النمسا كان القرار بعدم اتخاذ أي إجراء ضد فيرشتابن، وبالتالي فقدت فيراري فرصة تحقيق الفوز. عشاق فيراري الآن يقولون بوجود مؤامرة ضد الفريق، تهدف لإضعافه في ظل التفاوض حول القوانين الجديدة للبطولة والأهم من ذلك، مسألة توزيع الأرباح وحق الفيتو الذي تمتلكه فيراري على بعض الإجراءات. شخصيا لا أعتقد بوجود مؤامرة، ولكنني أعتقد بأن فيراري تعرضت لظلم بشكل أو بآخر في السباقين الأخيرين من حيث صرامة الالتزام بنص القانون أو بروحه.

3- القرارات التحكيمية يجب أن تكون ثابتة، طالما فيها نصوص قانونية، دون النظر إلى الظروف الخاصة

هاميلتون فيتيل كندا

التناقض الأكبر هو في التبرير الذي تم سياقه عند فرض العقوبة في كندا، وتجاهله تماما في النمسا. ففي كندا، وعلى الرغم من أن عودة فيتيل إلى الحلبة كانت عبر منطقة عشبية ودون نية حقيقية لدفع منافسه خارج المسار، وحتى ربما دون سيطرة كاملة على السيارة، إلا أن مراقبي السباق في كندا أصروا على احتساب عقوبة عليه بدعوى النص القانوني.

في النمسا، وعلى الرغم من وجود نص قانوني حول متى تعتبر السيارة متقدمة على منافستها في الحلبة، وحول مسألة ترك مساحة كافية للسيارات على الحلبة، وحتى كون الارتطام جاء جانبيا بين العجلات، إلا أن مراقبي السباق اعتبروا الأمر في النهاية حادث تسابق وأن فيرشتابن تسابق ضمن القوانين، كونه كان في الخط الداخلي للمسار، وعلى الرغم من إدراكه لوجود سيارة إلى جانبه.

4-  مثل هذه القرارات تفتح المجال لقيادة متهورة في المستقبل

حادث فيتيل

البعض قد يتسائل، أليس ذلك جوهر التسابق؟ أليست الفكرة فوز السائق الذي ينجح بالوصول أولا؟ نعم، ولكن دون أن تتلامس السيارات. تخيلوا لو كان هذا الحادث على المنعطف الأول في موناكو، منعطف سان ديفوت (وهو مشابه للمنعطف الثالث في النمسا). النتيجة كانت ستكون حادثا مؤسفا وحرفيا دخول سيارة الفيراري في الحائط (كما فعل فيتيل لوحده في الصورة في الأعلى!). أو ماذا لو كانت هذه الحركة على منعطف سريع في بلجيكا مثلا؟ النتيجة كانت لتكون كارثية. ببساطة، لا يمكن السماح للسائق الذي يتجاوز سيارة أخرى بدفعها خارج المسار، بغض النظر عن المكان أو السرعة.

القرار صحيح:

1- ماكس استحق الفوز بكل جدارة

فيرشتابن

فيرشتابن قاد سباقا رائعا، واستحق الفوز بكل جدارة. فعلى الرغم من تأخره في البداية وتراجعه حتى المركز السابع في بدايج السباق، إلا أن الهولندي الطائر نجح في تجاوز السيارات أمامه تباعا. السائقون الذين نجح في تجاوزهم هم كل من لاندو نوريس، كيمي رايكونن، لويس هاميلتون، سيباستيان فيتيل، فالتيري بوتاس وشارل لوكلير. بعض السائقين ينهون مسيرتهم دون تجاوز هذه الأسماء، فما بالك بتجاوزهم واحدا واحدا في سباق واحد؟

والمثير في الأمر أن التجاوزات جميعها، باستثناء هاميلتون الذي تقدم عليه ماكس أثناء توقفه، كانت على الحلبة، وبالتالي فليس هناك من شك في أن أداء فيرشتابن وأداء الريد بل-هوندا كان رائعا في هذا السباق. حتى وإن كان التجاوز أثار اللغظ، فلا شك لدي أحد بأن سرعة الريد بل كانت ستكون كافية للتجاوز في أي لحظة من اللفات المتبقية للسباق.

2- البطولة بحاجة للإثارة، رؤية السائقين يتنافسون على الحلبة

فيرشتابن

هذا الموسم هو من أكثر المواسم افتقادا للتنافس والحماس. ما لم تكن من مشجعي مرسيدس، وهاميلتون تحديدا، فالتنافس على الفوز يبدو مملا، مع سيطرة كاملة لسيارات مرسيدس على الجولات الثمانية الأولى من الموسم. حتى السباقان الذان لم تبد مرسيدس الأسرع فيهما، أي البحرين وكندا، انتهيا بفوز مرسيدس بسبب الأعطال الميكانيكية لفيراري وقرارات الحكام. البطولة كانت تفتقد بشدة لفوز فريق آخر، وتنافس بين السائقين على الحلبة وتجاوزات مثيرة، وهذا تماما ما وفرته جائزة النمسا الكبرى. كان سيكون من المؤسف أن ينتهي سباق رائع مثل هذا بقرار من الحكام، وليس بتحديد النتيجة على أرض الحلبة.

3- فوز ريد بل-هوندا سيعزز التزام الجهتين بالبطولة ويرفع مسوى التنافس

فيرشتابن

فوز فريق ريد بل-هوندا بالسباق وكسر طوق هيمنة مرسيدس نتيجة مهمة للفريق. من ناحية هوندا، جاء الفوز أخيرا ليرفع من معنويات الفريق الذي عانى الأمرين منذ عودته إلى ساحة الفورميولا واحد. فالسنوات مع فريق مكلارين كانت “مهزلة” وأداء محركات هوندا كان مثيرا للشفقة.

انتقال هوندا إلى تورو روسو ومن ثم إلى ريد بل، أعطى الفريق دفعة معنوية. ومع اختفاء الضغوطات لتقديم النتائج المتوقعة أثناء الشراكة مع مكلارين (وانتقادات ألونسو اللاذعة تحديدا) يبدو أن المصنع الياباني أعاد ضبط نفسه، وبدأ أداء المحرك بالتحسن.

البعض أشار إلى أن هوندا سمحت لفيرشتابن باستخلاص أفضل أداء للمحرك، وغضت النظر عما يمكن أن يسببه ذلك من ضرر للمحرك واحتمالية تعرضه للأعطال وبالتالي العقوبات خلال السباقات الماضية، وفي هذا أكبر دليل على مدى أهمية تحقيق هذا الفوز للشركة اليابانية. ومثل هذا الفوز من شأنه أن يعزز التزام هوندا بالبقاء على ساحة الفورميولا واحد، وهو أمر مهم للبطولة من حيث تنوع الصانعين ومزودي المحركات المشاركين فيها.

الأمر ذاته ينطبق على فريق ريد بل. البطولة ستعرف مجموعة جديدة من القوانين خلال السنوات القليلة القادمة، ومن المهم للبطولة وعشاقها استمرار فريق بحجم ريد بل والتزامه بالبطولة. ومن شأن تحقيق النتائج المميزة تشجيع مالك الشركة على الاستمرار فيها.

4- فيراري بإمكانها احتمال فقدان الفوز. ريد بل وهوندا لا يمكنهم ذلك

فيرشتابن

لسوء الحظ، جاءت نتائج قرارات الحكام في السباقين الأخيرين متناقضة من حيث الصرامة في تطبيق القوانين والعقوبات، وفي الحالتين جاءت النتيجة ضد فريق فيراري. هذا الأمر من شأنه أن يحرم عشاق السكودريا من فوز طال انتظاره، ولكن هذا الأمر لن يؤثر كثيرا في الحقيقة على قوة السكودريا أو على جمهورها، أو على مدى التزام فيراري بالاستمرار في الفورميولا واحد، أو حتى ربما على النتيجة النهائية للبطولة هذا العام. أما بالنسببة لريد بل، هوندا، وحتى ماكس فيرشتابن نفسه، فالانتصار هنا يشكل دفعة معنوية كبيرة من شأنها أن تشحذ الهمم للسباقات القادمة.

5- لوكلير يجب أن يحقق فوزه الأول بجدارة، وليس بفضل قرارات الحكام

شارل لوكلير

اعتدنا على وجود شارل لوكلير في فيراري إلى درجة أننا نسينا أن الشاب لا يزال في منتصف موسمه الأول في فيراري وموسمه الثاني فقط على ساحات الفورميولا واحد. تحقيق لوكلير لفوزه الأول بات مجرد تساؤل عن الموعد، وليس إن كان الفوز سيأتي أم لا.

لكنني أعتقد بأن فوز لوكلير الأول يجب أن لا يأتي تحت غمامة من الشك، ولا بمثل هذه الظروف. الشاب المتحدر من موناكو يمتلك من الموهبة والسرعة ما يكفي لكي يتوج بطلا للعالم ذات يوم، ومن المؤسف أن يذكر التاريخ فوزه الأول كفوز قرره الحكام. بل هو يستحق أن يقف على أعلى المنصة، ويرفع الكأس عاليا. والظروف والفرص ستسنح بلا شك هذا العام. فهناك الكثير من الحلبات التي تتناسب مع تصميم الفيراري وقدراتها.

مونزا تبدو كموعد ومكان مناسب. أليس كذلك؟

أهم المقالات