العمل في مجلة سيارات أمر ليس سهلا. أحيانا تجد نفسك في يوم يبدو وكأنه لا نهاية له. العمل لا ينتهي، والاجتماعات والنقاشات تطول أكثر فأكثر.
هناك قلق دائم من أن شيئا ما لم يتم في وقته الصحيح. مقال متأخر، صور لم تكن بالحجم المطلوب، سيارة مهمة ظهرت قبل موعد الطباعة بيومين، والآن عليك أن تجد أربعة صفحات جديدة لها. كل هذا وموعد الطباعة بعد أقل من 24 ساعة.
ثم يأتيك يوم كهذا. بالإضافة إلى كل ذلك، عليك أن تعقد اجتماعات مع مكاتب شركات السيارات. تناقش المشاريع المستقبلية، الإعلانات ومواعيد تصوير الفيديو، وجداول السفر لتغطية إطلاق السيارات الجديدة وإجراء التجارب وغيرها.
أحيانا، تنسى أنك دخلت هذا العالم أصلا لأنك تعشق السيارات، ويصبح الأمر مجرد وظيفة أخرى تتطلب منك ارتداء بدلة رسمية وربطة عنق، وتقديم مشاريع على برنامج Powerpoint في اجتماعات رسمية.
لحظة الخروج من المكتب تبدو وكأنها لحظة الإفراج من السجن. لحسن الحظ الأجواء حاليا لطيفة في دبي، ونسيم المساء العليل يشرح الصدر، وينسيك لوهلة ضغوطات اليوم.
في موقف السيارات هنا العديد من السيارات. غالبيتها سيارات دفع رباعي كبيرة. لسبب ما يعتقد البعض أن كبر حجم السيارة يعني مكانة أكبر. ربما هم بحاجة لتعويض نقص ما، أو أن كل من يعمل في هذه البناية لديه روح المغامرة وعشق القيادة على الرمال.
أسير بخطى متثاقلة بين صفوف السيارات، التي يبدو وكأن أصحابها مصابون بعمى الألوان. فهي إما سوداء كبيرة، أو بيضاء مملة.
طريقي يتجه إلى آخر الموقف، حيث تقف بهدوء سيارة تكاد تختلف تماما عن أي شيء آخر هنا. خطوطها انسيابية، وحجمها صغير، لكنها تبدو كما لو كانت قد أنهت لتوها تدريبا شاقا في النادي الرياضي.
أكتافها عريضة، ووقفتها تنم عن شراسة لا تجدها في أي سيارة أخرى. إنها تبدو رياضية فعلا، ولكن بخطوط أنيقة غير مبالغ بها، كما لو كانت رياضيا رشيقا في بدلة سهرة إيطالية فاخرة.
مقدمتها المنحنية تنم عن شخصية السيارة الفريدة، ولكنها المؤخرة المميزة، بشكلها الدائري الرياضي التي لا تدع لك مجالا للشك في هويتها، فهي سيارة بورشه بكل معنى الكلمة.
حين أطلقت بورشه الجيل الأول من طراز كايمان، جاء كامتداد طبيعي لطراز بوكستر. واليوم مع الجيل الجديد الذي بات يحمل الاسم بورشه718 ، يستمر توأما بورشه بحجز مكانهما في سلسلة سيارات بورشه، ليس كالشقيق الأصغر لطراز بورشه 911 ، ولكن كطرازات مستقلة تحمل هويتها الخاصة ومميزاتها الخاصة التي تتفرد بها.
مجرد رؤية السيارة تقف وحيدة هناك في الموقف، أمر كفيل بوضع ابتسامة على وجهك. فجأة تتذكر أنك على وشك قيادة سيارة رياضية تحمل شعار بورشه على مقدمتها، وتبدأ بنسيان التعب وهموم النهار.
حقيبة اللابتوب تأخذ مكانها خلف المقعد، وجاكيت البدلة لا داعي له الآن. الآن وقت إرخاء ربطة العنق، وربما رفع الأكمام إلى الأعلى.
مفتاح التشغيل يقبع على يسار المقود، في أبهى صورة لتمسك بورشه بتقاليدها. هل تعرفون لم المفتاح هناك؟ إنه تقليد مستمد من سباق 24 ساعة في لومان، حين كان المتسابقون يبدأون السباق، بعيدا عن سياراتهم، ويجرون نحوها عند بداية السباق. لذلك تم وضع المفتاح على اليسار ليتسنى للسائق تشغيل السيارة واختيار نسبة علبة التروس الأولى في نفس الوقت، وتوفير أجزاء من الثانية. إنها لمسات مثل هذه، التي تذكرك دوما بأن بورشه شركة ذات ماض عريق في عالم سباقات السيارات.
ربما الساعة في أعلى لوحة القيادة تذكير أكبر بذلك. سأضع ملاحظة غدا، تذكرني بضرورة أن أتعلم كيف أشغلها بشكل صحيح.
اليوم ليس هناك من علبة تروس يدوية. بورشه 718 كايمان S هذه مزودة بعلبة تروس من فئة PDK ، من سبع نسب أمامية تعمل عبر “كلتشين”. كيف تعمل هذه العلبة؟ إنه أمر معقد يحتاج لوقت كثير لشرحه.
ما سيهمكم هو معرفة أنها في الوضعية الأوتوماتيكية سلسة جدا، وعند التغيير اليدوي فيها، هي أسرع من أي إنسان في تبديل النسب.
أعتقد حقا أنها علبة التروس الأفضل في العالم حاليا. تشغيل السيارة لا يبث الحياة في المحرك فقط، بل يبعث في الإنسان شعورا بالحماس لا يعرفه إلا عشاق السيارات.
ذلك الصوت الأجش، الذي يبدو وكأنه صادر من محرك يبرد بالهواء، على الرغم من تخلي بورشه عن هذه المحركات منذ زمن. ربما هي وضعية الاسطوانات المنبطحة بشكل بوكسر، أو ربما هي فقط الطريقة التي هندست بها بورشه نظام العادم، ولكن الصوت يملأ المكان بهدير قوي.
فترة ما بعد الظهر في دبي تعرف أزمة خانقة أحيانا. ولكن اليوم من حسن حظي، يبدو أنني قد خرجت في وقت مبكر بعض الشيء.
حركة السيارات تنساب بلطف، والكايمان تندمج بينها. من موقعي بالكاد أرى معظم السائقين في سياراتهم العالية. ولكن من موقعي أيضا أرى الطريق بدقة وبوضح، وأشعر بكل ما فيه.
عبر ذلك الكقود الدقيق. بورشه اشتهرت مقودها الدقيق عالي الإحساس دوما، ولم تتخل عن هذه الميزة حتى مع تحولها إلى النظام الإلكترو-ميكانيكي.
ربما للأمر علاقة بعدم وجود ثقل للمحرك في الأمام، ولكنني أعتقد أنه يعود إلى الهندسة الفائقة التطور أكثر.
المقود نفسه رائع. القبضة مناسبة تماما كما لو أنه قد تم تفصيله على قياسي راحتي كفي. أذرعه الثلاثة المعدنية منحوتة من قطعة واحدة في القسم الداخلي لتظهر المهارة الهندسية في الدمج بين التصميم الدقيق ومهارة التصميم المتجلية في أسلوب الدمج الذكي لأزرار التحكم المختلفة فيه.
عبره تسترق العيون النظر إلى لوحة العدادات، التي يتوسطها عداد دوران المحرك الكبير، وإلى يساره عداد السرعة، بينما إلى اليمين هناك شاشة تعرض معلومات متفرقة.
الطريق الطويل يغدو مملا بعد فترة. من حسن الحظ أن نظام بورشه للاتصالات يتضمن كل ما تتوقعه من سيارة فاخرة.
نظام الموسيقى الرائع بقوة 150 واط مع ثمانية سماعات كاف لبث أعذب الإلحان إن أردت. ولكن خياري اليوم هو استخدام نظام Apple Car- Play للهاتف الذكي، والاستماع إلى الـ Podcast الخاص بالفورميولا واحد.
طريقة مثالية لتخفيف تعب النهار الطويل. نظام الملاحة الممتاز مجهز ليأخذني عبر طريقي المفضل، بعيدا
عن الأزمة المرورية، حتى ولو طال الطريق بعض الشيء. الكايمان تنساب بسلاسة، ونظام التعليق الرائع ينمتص أي مطبات، ويبقي السيارة ثابتة على كل السرعات. الكايمان مصممة كسيارة رياضية بمحرك وسطي، وهذه المنعطفات البسيطة لا تشكل أي تحد لها.
طريقي اليوم ليس إلى المنزل، بل هو طريق يأخذني مباشرة إلى حلبة دبي أوتودروم، واليوم بإمكاني أن آخذ السيارة إلى هناك وأنطلق بها على الحلبة. اليوم، بإمكاني أخيرا أن أطلق العنان للكايمان في بيئتها الطبيعية وأحررها من القيود التي تكبلها على الشوارع العامة.
شمس المساء تعطي الأوتودروم نفحة سحرية. في خط الحظائر هناك نوع من الترقب الذي يصاحب أي تجربة على الحلبة. مهما قدت من سيارات بسرعة، ومهما كنا خبيرا في القيادة بسرعة، تتسارع دقات قلبك في كل مرة ترى فيها مخرج خط الحظائر، والإسفلت الممتد أمامك، يدعوك للانطلاق بأقصى سرعة.
أستغرب من أولئك الذين يمتلكون سيارات رياضية ولم يأخذوها أبدا إلى الحلبة. ترى، هل يعرف هؤلاء كم من المتعة يفتقدون في حياتهم؟
أولئك الذين يقضون جل وقتهم على سرعة ثابتة في خط مستقيم، هل يدركون كمية الأدرينالين التي يمكن لسياراتهم أن تبثها في أوصالهم لو أخذوها إلى الحلبة؟
على الحلبة، تكشر الكايمان عن أنيابها. السيارة كايمان S، أي أنها مزودة بالمحرك الأكبر بين محركات السيارة، وهو بسعة 2.5 ليتر، من أربعة اسطوانات منبطحة مع تيربو.
دعك من أولئك الذين يتذمرون كثيرا من مسألة التحول من محركات الست اسطوانات إلى أربعة مع تيربو، ومسألة صوت المحرك. نعم، صوت المحرك السابق أجمل، ولكنه ليس سيمفونية V12 .
والمحرك الجديد يعوض كل ذلك بأداء أقوى وفعالية أكبر ووزن أخف في منتصف السيارة. قوة المحرك تبلغ 350 حصانا، مع 420 نيوتن متر من عزم الدوران. ومع علبة التروس من فئة PDK ووضعية + Sport تتفجر طاقات بورشه كايمان S. التسارع إلى 100كلم/س لا يحتاج سوى 4.2 ثانية، والوصول إلى 200 كلم/س يتطلب14.7 ثانية فقط. أما سرعتها القصوى فتبلغ 285 كلم/س، وتصلها السيارة بسهولة. لكن التسارع هو جزء من أداء بورشه كايمان S.
في الحقيقة هو الجزء الأقل أهمية ربما على الحلبة. فما يميز بورشه كايمان هو تماسكها، وتوازنها، والسرعة التي تحملها في المنعطفات، والتي تبدو أحيانا غير منطقية إطلاقا.
المكابح رائعة في قوتها وثبات السيارة تحت الكبح مميز. وضعية المحرك الوسطية تعطي كايمان S توازنا ورشاقة تضاهي أغلى السيارات السوبر رياضية. أما المقود فتبد فيه الحياة بمجرد أن تفكر في تغيير الاتجاه. فهو ينقل إليك ما تفعله العجلات بشكل فوري، بدون أي “فلتر” قد يخفي عنك شيئا ما. فتعرف تماما إلى أي حد دفعت بالعجلات، ومتى ستبلغ ذروة تماسكها، ومتى ستجتاز حدودها القصوى.
حدود إذا ما اجتزتها، ستجد بين يديك سيارة طيعة، تستجيب لرغباتك فورا. هل تريد تخفيف السرعة؟ ارفع قدمك اليمنى قليلا، أو ربما لمسة خفيفة للمكابح تكفي. أو ربما تفضل الاستعراض بعض الشيء؟
لا مشكلة في ذلك، عليك فقط أن تثق بالسيارة، لتشعر بمؤخرتها وهي تنساب بسهولة، لتصحح الزاوية بحركة سريعة من المقود، وتنطلق بسرعة في اتجاه المنعطف التالي.
إنها تجربة تسبب الإدمان، ولكنه إدمان من النوع الجيد. إدمان الأدرينالين والإثارة، يجعل الإنسان يقدر الحياة أكثر، ويقدر أن فيها أكثر من مجرد العمل الدؤوب. أحيانا، ضغوطات العمل، حتى وإن كان العمل ضمن عالم السيارات، تنسينا أننا دخلنا هذا المجال بسبب عشقنا للسيارات والقيادة الرياضية. ولكنها لحظات مثل هذه، مع البورشه كايمان S، هي التي تذكرنا بروعة هذا العالم السحري، ومتعة الأداء الرياضي التي تبقى سر عشقنا الدائم لعالم السيارات.
المواصفات التقنية لبورشه 718 كايمان إس
المحرك
2.5 ليتر، أربع اسطوانات منبطحة، شاحن تيربو
وضعية المحرك
في الوسط، خلف المقعدين الأماميين
القوة
350 حصان عند 6500 د/د
عزم الدوران
420 نيوتن متر بين 1900 – 4500 د/د
أعلى مستوى دوران
7500 دورة في الدقيقة
علبة التروس ونقل الحركة
علبة التروس 7 نسب أوتوماتيكية مع
كلتشين من طراز PDK لدى بورشه
الاندفاع العجلات الخلفية
المكابح
في الأمام أقراص فولاذية بقطر 330 ملم وعرض
34 ملم مع أربعة مكابس
في الخلف أقراص فولاذية بقطر 299 ملم
وعرض 20 ملم مع أربعة مكابس
نظام التعليق
في الأمام مستقل، وضعية مكفرسون
في الخلف مستقل، وضعية مكفرسون
العجلات المعدنية والإطارات
في الأمام عجلات معدنية خفيفة بقياس 19x8J
مع إطارات بقياس 235 / 40 ZR 19
في الخلف عجلات معدنية خفيفة بقياس
19x10J مع إطارات بقياس 265 / 40 ZR 19
الأبعاد
الطول 4379 ملم
العرض 1994 ملم
الارتفاع 1284 ملم
قاعدة العجلات 2475 ملم
الوزن 1385 كلغ
الأداء
100-0 كلم/ س 4.2 ثانية
160-0 كلم/ س 9.2 ثانية
200-0 كلم/ س 14.7 ثانية
السرعة القصوى 285 كلم/ س