على حلبة إستوريل قمنا بإجراء تجربة لامبورجيني أفنتادور SVJ الجديدة، السيارة التجارية الأسرع على حلبة نوربورغرينغ، مما يضعها في مصاف أروع السيارات السوبر رياضية على الإطلاق
تجربة لامبورجيني أفنتادور SVJ ليست مجرد تجربة سيارة أخرى من فئة “السوبركار”. فالسوبر كار كما نعرفها، على وشك أن تنقرض. السيارات ذات التصميم الرياضي المميز، مع محركات وسطية، كبيرة الحجم، كمحركات الـ V12 ذات السحب الطبيعي، لم تعد ضمن الإنتاج التجاري للشركات. باستثناء واحدة: لامبورجيني.
ففي الوقت الذي تتحول فيه شركات السيارات إلى محركات صغيرة الحجم بتقنية التيربو، وفي الزمن الذي باتت محركات الـ V12 ضمن الإنتاج التجاري مقتصرة على سيارات ذات محركات في الأمام، حتى لدى شركة مثل فيراري، تستمر لامبورجيني في الإبقاء على تقاليدها حية مع طراز أفنتادور السوبر رياضي. واليوم، ترتقي معه إلى مستوى جديد تماما مع تقديم طراز لامبورجيني أفنتادور SVJ.
أحرف SV ليست جديدة لدى لامبورجيني. إنها ترمز إلى عبارة Super Veloce أو «سوبر سريعة». لكن المميز هنا إضافة الحرف “J” إلى السيارة، ولهذا الحرف أهمية كبيرة في تاريخ لامبورجيني. ففي الستينيات، أطلقت لامبورجيني فعليا فئة السيارات السوبر رياضية مع طراز ميورا الأسطوري. ولكن سائق التجارب لدى الشركة في ذلك الوقت، بوب والاس، قرر العمل سريا على سيارة ميورا، تتماشى مع متطلبات ملحق التصنيف لدى الاتحاد الدولي للسيارات، والذي يحمل اسم “الملحق J”. الحرف J بالإسبانية هو “جوتا“، أو “يوتا” كما يلفظ. وهكذا بدأ العمل على تطوير سيارة ميورا SV لتتماشى مع متطلبات التصنيف هذا، ومنها ولدت ميورا SVJ أو “يوتا” الأسطورية.
وعلى الرغم من أن السيارة الوحيدة الأصلية التي تم صنعها تحطمت واحترقت تماما، إلا أن لامبورجيني، وبطلب من عدة زبائن، قامت بإنتاج ست سيارات بهذه التعديلات، عرفت باسم لامبورجيني ميورا SVJ، وهي اليوم أغلى سيارات لامبورجيني، بفضل تعديلاتها التي تضمنت رفع القوة الحصانية للسيارة، وتعديل انسيابيتها.
واليوم تعيد لامبورجيني إحياء هذا الاسم العريق مرة أخرى، ولكن هذه المرة مع طراز أفنتادور SVJ المرعب. الوصفة هي ذاتها: قوة أكبر، وانسيابية أفضل، ووزن أخف. ولكن هذه المرة الأرقام تنتقل إلى مستوى جديد تماما لم نعهده من قبل.
محرك لامبورجيني الشهير من فئة V12 بسعة 6.5 ليتر يحصل على تعديلات تناولت المكابس والأذرع والـ Flywheel ومشاعب السحب وغيرها، لرفع قوة المحرك إلى 770 حصانا مع 720 نيوتن متر من عزم الدوران. أما وزن السيارة، فتم العمل على تخفيفه، أو بالأحرى، زيادة فعاليته. فعلى الرغم من أن وزن السيارة الخفيف نسبيا والبالغ 1525 كيلوغراما كوزن جاف لا يختلف كثيرا عن وزن أفنتادور SV القياسية، إلا أن المثير للإعجاب هنا هو أن هذا الوزن يتضمن أيضا نظام ALA لدى لامبورجيني دون زيادة في الوزن.
نظام ALA باختصار هو نظام آيروديناميكي متفاعل، يعتمد على أجنحة ومساعدات انسيابية وممرات هوائية يتم التحكم بها إلكترونيا دون تدخل من السائق. النظام يعمل بشكل معاكس تقريبا لنظام DRS المستخدم في سيارات الفورميولا واحد. ففي الوضعية القياسية، تتمتع السيارة بأقل نسبة جر (Drag) لتحقيق أعلى سرعة ممكنة. ولكن عند تفعيل نظام ALA فإن نسبة ضغط الهواء إلى الأسفل (Downforce) لتزيد بالإجمال بمعدل 40 في المئة مقارنة بطراز أفنتادور SV القياسي. العملية معقدة، وتتضمن ممرات هواء تفتح في الأمام وفي الخلف، بل وحتى على كل جهة من السيارة بشكل مستقل، لزيادة تماسك كل جهة بالقدر المطلوب بحسب زاوية دوران السيارة في المنعطفات. ولكن الأثر بالنسبة للسائق بسيط: تماسك مذهل للسيارة، خاصة في المنعطفات السريعة، والنتيجة كانت تحطيم لامبورجيني أفنتادور SVJ للرقم القياسي للدوران حول حلبة نوربورغرينغ الشهيرة، بزمن بلغ 6 دقائق و44.98 ثانية، منتزعة لقب السيارة الأسرع حول حلبة «الجحيم الأخضر» الشهيرة.
لحسن الحظ، تجربة لامبورجيني أفنتادور SVJ لم تكن على تلك الحلبة المرعبة، بل على حلبة إستوريل الشهيرة في البرتغال. لقد قدت سابقا سيارات على نوربورغرينغ، وأعرف تماما مدى صعوبتها. وعلى الرغم من أن الأمر يبدو مثيرا، إلا أن تلك الحلبة لا تغفر لك أية غلطة، وهو أمر بإمكان نيكي لاودا أن يؤكده لكم شخصيا.
والآن أقف أمام رتل من سيارات أفنتادور SVJ. تصميميا، سأجزم بأنه ليس هناك من سيارة تجارية بإمكانها اليوم أن تقدم هذا القدر من «الدراما» في تصميم سيارة بقدرها. أنيقة؟ كلا. رصينة؟ أبدا. إذا كنت تبحث عن سيارة تسير بها دون أن تلفت الأنظار، فابحث في مكان آخر. إذ أن لامبورجيني أفنتادور SVJ ربما ستسبب أوجاعا في الرقبة للمشاة اللذين لن يستطيعوا سوى متابعتها وهي تسير، خاصة إذا كانت بهذا اللون الأخضر كما كانت سيارتي خلال التجربة.
بإمكانك أن تقرر بنفسك ما إن كنت من عشاق مثل هذا التصميم أم لا، ولكن لا يمكنك أن تقاوم ذلك السحر المميز لها. حين ترى لامبورجيني أفنتادور SVJ تقف، مع أبوابها المفتوحة إلى الأعلى، لا يمكنك سوى أن تنظر إليها بتمعن. ليس لها من منافس.
في الداخل، الأمر ذاته. تصميم المقصورة لا يعرف الخجل. باطن الأبواب من ألياف الكربون المكشوفة، ومقبض الباب ليس سوى قطعة جلدية لتسحب الباب إلى الأسفل. لوحة القيادة من ألياف الكربون، وخلف المقود الرياضي تقبع عتلات تغيير نسب علبة التروس، والمثبتة إلى عمود المقود بشكل ثابت، وليس إلى المقود نفسه. وضعية هذه العتلات هي ربما أكبر دليل على نوايا لامبورجيني أفنتادور SVJ. فهي ثابتة الموضع لا تتحرك مع المقود. السبب؟ حتى لا يكون للسائق أي شك في مكان العتلات هذه في المنعطفات حين يدير المقود، تماما مثل سيارات السباقات.
المقاعد الرياضية تحتضنك بقوة، وحزام الأمان باللون الأحمر الذي قد يبدو صبيانيا للبعض، ولكنه يتناسب تماما مع شخصية السيارة. لوحة القيادة من ألياف الكربون، وفي أعلاها شاشة نظام المعلومات. بمجرد الجلوس هنا، تشعر بالفخر.
زر التشغيل يشابه ذلك المستخدم في الطائرات المقاتلة لتجهيز الصواريخ. إذ ترفع الغطاء الأحمر، وتضغط على زر التشغيل، لينفجر خلفك محرك الـ V12 بصوت قوي. اضغط على زر نظام القيادة لاختيار نمط سبورت، اضغط على دواسة الوقود، والصوت يتحول فورا إلى عواء صارخ يصم الآذان. محركات التيربو بكل بساطة لا يمكنها المنافسة هنا. اضغط على الزر مرة أخرى، والآن أنت في وضعية السباق، أو كورسا. الصوت يختلف. فهو أعمق، ولكنه أقل استعراضا. السبب؟ الهدف هنا هو الأداء، وليس متعة الاستعراض، حتى لو كان ذلك على حساب الصوت.
حلبة إستوريل حيث تمت تجربة لامبورجيني أفنتادور SVJ حلبة متطلبة. إذ تضم مقطعا طويلا جدا، يتلوه منعطفات بطيئة ومتوسطة، ولكنها بشكل عام تتجه نزولا أو صعودا، بسبب اختلاف الارتفاعات الواضح في الحلبة، مما يشكل ضغطا على أي سيارة، إذ يسبب هذا الأمر ميلا للانزلاق في المقدمة.
اللفة الأولى ليست سوى لفة للتعرف على الطريق. أمامي سيارة يقودها أحد سائقي لامبورجيني. بكل سذاجة، اعتقدت أن بإمكاني أن أضغط على السيارة وألحق به. وبالفعل، على الخط المستقيم، أطلقت العنان لأحصنة السيارة الـ 770. ما تبع ذلك كان تجربة رائعة.
ربما رآني السائق خلفه. أو ربما هو مجرد روتين بالنسبة إليه. ولكن فجأة، بدا وكأن السائق أمامي قد رفع من أدائه. على الخط المستقيم، أرى عداد السرعة وقد تجاوز 270 كيلومترا في الساعة. في نهايته، منعطف ضيق، يتجه يمينا ونزولا. الكبح خارق، ولا يمكن أن يوصف بأقل من ذلك. مكابح لامبورجيني أفنتادور SVJ من ألياف الكربون والسيراميك بقطر مهول يبلغ 400 ملم، وتسمح لها بالتوقف من سرعة 100 كلم/س في 30 مترا فقط. الضغط عليها بقوة يجعلك تشعر وكأن مقلتي عينيك ستخرجان من مكانهما، وعلى الرغم من المؤخرة الثقيلة للسيارة، إلا أن التمايل تحت تأثير الكبح محدود.
من المنعطف الأول، المسار يتجه نزولا. منعطف آخر إلى اليمين. الغيار الثاني يبدو أقل من المطلوب، ولكن الغيار الثالث يدفع بالمقدمة إلى الخارج. الحل الأسهل هو الاعتماد على عزم الدوران العالي، الانتظار حتى «تعض» الإطارات الأمامية على الإسفلت بقوة، ومن ثم ركوب موجة العزم تلك حتى الوصول إلى المنعطف التالي، والذي يتجه صعودا إلى اليمين. هنا تظهر متعة أخرى في تجربة لامبورجيني أفنتادور SVJ.
إذا ما “غصت” في المنعطف مع رفع القدم تدريجيا عن المكابح، أو ما يعرف بالـ Trail braking، ستجد مؤخرة السيارة تدخل في اللعبة. ربما هو نظام ALA، أو ربما هو توزيع الوزن ونظام الدفع الرباعي، ولكن ما يحدث هو أن السيارة تبدأ في الانزلاق إلى الخارج في المنعطف، ومن ثم فجأة، تجد المقدمة ما يكفي من التماسك لتتشبث بالطريق، بينما المؤخرة تدور بسرعة غير منطقية. لوهلة أشعر بالفخر. فقد نجحت للتو بالتحكم بقوة 770 حصانا وهي تنزلق في منعطف. ولكن الحقيقة هي أن قدرات السيارة مذهلة إلى درجة أنها تتحدى تصورك الشخصي عما يمكن لك أن تفعله خلف المقود. هذا الأمر يظهر جليا في المنعطفات السريعة.
على الغيار الرابع، السرعة تناهز 200 كلم/س، والمسار يتجه نحو اليمين. ليس منعطفا بالمعنى الحقيقي، ولكن علي أن أدير المقود حوالي ربع دورة للبقاء في المسار. في أول بضع لفات، ردة الفعل اللاإرادية تجعلني أرفع قدمي عن دواسة الوقود. ولكن سائق لامبورجيني المحترف أمامي يبتعد فورا في الأفق. من الواضح أن بإمكان السيارة أن تدور حول المنعطف دون أي تردد، لذلك أستجمع شجاعتي أخيرا، وأترك قدمي اليمنى ملتصقة بأرضية السيارة. دقات قلبي تتسارع، وأشعر بكفي يدي تتعرق. ولكن ما يجري في الحقيقية أبسط من ذلك. إذ تغير السيارة اتجاهها فورا، وتنطلق بسرعة نحو المنعطف التالي الذي يتجه يسارا بزاوية 180 درجة. على طريق عام، ربما تدور حوله بسرعة 40 أو 50 كلم/س. عداد السرعة أمامي يشير إلى سرعة 130 كلم/س، وذلك فقط لأنني أخاف أن أسرع أكثر.
في المنعطفات المتتالية بشكل حرف S، تظهر رشاقة السيارة وأثر خفة الوزن على تجربة لامبورجيني أفنتادور SVJ وتميزها عن غيرها. تغيير الاتجاه لا يحتاج سوى لنصف دورة يمينا ويسارا، ولكن هناك أثر للانزلاق في المقدمة. لاحقا، نكتشف أن للأمر علاقة أكثر بنوعية الإطارات المستعملة أكثر من السيارة نفسها. فلامبورجيني أفنتادور SVJ تتوفر بإطارات من نوع بيريللي بي–زيرو الشهيرة من فئة «تروفيو R» المميزة على الحلبات. ولكن ما حدث هو أن حلبة إستوريل قد تم إعادة تعبيد مسارها قبل الحدث بفترة بسيطة، وبالتالي سطح الحلبة يفتقد للتماسك، لذلك تم استبدالها بالإطارات القياسية للسيارة من فئة بي زيرو «كورسا»، والتي وعلى الرغم من تماسكها المميز، إلا أنها في النهاية إطارات شارع، وبالتالي تماسكها أقل، مما يسبب الانزلاق الأمامي للسيارة.
هذا الأمر يظهر جليا في المنعطف الأخير. منعطف طويل إلى اليمين (مسرح التجاوز الشهير لجاك فيلنوف على مايكل شوماخر عام 1997) والذي ينقلك إلى الخط المستقيم الطويل. تدوره على الغيار الثالث، بسرعة تقارب 160 كلم/س. ولكن إذا ضغطت بقدمك اليمنى أكثر قيد أنملة، تبدأ المقدمة بالانزلاق. الحل؟ خدعة من عالم السباقات: الكبح بالقدم اليسرى، أو Left-Foot Braking. تهدأ السيارة، وتتحضر للانطلاق على الخط المستقيم الطويل.
ما يجري هنا أمر سيعيد تعريف الأداء العالي. التسارع رهيب، ولا يتوقف. من الثبات، تصل لامبورجيني أفنتادور SVJ إلى سرعة 100 كلم/س في 2.8 ثانية فقط. ولكن التسارع بعد ذلك هو الذي سيذهلك. علامة 200 كلم/س تصل في 8.6 ثانية، وإذا ما أبقيت قدمك اليمنى على الدواسة ستصل إلى 300 كلم/س في 24 ثانية فقط، في طريقك إلى سرعة قصوى تتجاوز 350 كلم/س.
هنا تشعر بكل غيار في علبة التروس. لامبورجيني تستمر مع علبة تروس من فئة ISR لديها، وهي علبة من سبع نسب، بكلتش واحد، ولكن بقرصين. تغيير النسب عنيف، إذ تشعر بضربة في ظهرك مع كل غيار إلى الأعلى. ولكن سرعة التبديل مميزة صعودا أو نزولا عند الكبح، والذي اختبرته من سرعة تقارب 280 كلم/س بدون أي مشاكل.
هل هذه هي السوبركار الأفضل؟ السيارة السوبر رياضية الأكثر تكاملا؟ كلا. ربما هي الأسرع حول نوربورغرينغ، ولكن لا شك في أن البعض سيفضل الدفع الخلفي عوضا عن الاندفاع بالعجلات الأربعة. أيضا حجم السيارة، مع نظام الدفع ذلك، يعني أنه بشكل أو بآخر، هناك طريقة سريعة واحدة لقيادتها، وإذا ما خرجت عن هذا المسار، فعليك الانتظار لبرهة لتستعيد السيارة ثباتها.
ثم هناك السعر. مع ثمن يتجاوز نصف مليون دولار في أسواق الولايات المتحدة، هذه ليست سيارة رخيصة على الإطلاق، وفي مثل هذه الفئة، هناك العديد من المنافسين مع سيارات لا غبار عليها وتقدم أيضا أداء مذهلا.
لكن علينا جميعا أن نعشق لامبورجيني أفنتادور SVJ. مثل هذه السيارة، تجعلك تشعر بأنك رجل فعلا. هذه ليست سيارة ناعمة، يمكن لأي كان قيادتها كل يوم. بل هي سيارة متوحشة تحتاج لرجل شجاع للسيطرة عليها، وفي رأيي الشخصي، هكذا يجب أن تكون السيارات السوبر رياضية فعلا. سيارات مرعبة، بتصميم مميز وألوان صارخة. لامبورجيني لا تزال تحافظ على هذه التقاليد، وهي ربما الصانع الأخير للسيارات السوبر رياضية من هذه الفئة.
ولامبورجيني أفنتادور SVJ هي بدون شك أفضلها.